إسرائيل بموسى وهارون ودعوتهما ، إلا أنها سرعان ما تعود ثانية لتقول إنهم «لم يسمعوا لموسى من صغر النفس ومن العبودية القاسية ، رغم ما وعدهم به موسى من إنقاذ لهم من عبودية المصريين ، ومن اتخاذهم شعبا مختارا لرب إسرائيل ، وإدخالهم الأرض التي تفيض لبنا وعسلا ، رغم ذلك كله فإنهم لم يؤمنوا بموسى ولم يسمعوا له ، بسبب صغار في نفوسهم بسبب العبودية القاسية (١) ، وإلى هذا يشير القرآن في قوله تعالى : (فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ) (٢) (عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ ، وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ ، وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ) (٣) ، والنص القرآني يفيد أن الذين أظهروا إيمانهم بموسى من بني إسرائيل إنما كانوا هم الفتيان
__________________
(١) خروج ٤ / ٢٩ ـ ٣١ ، ٦ / ٦ ـ ٩.
(٢) اختلف المفسرون في هذه الذرية التي آمنت بموسى ، فذهب فريق ، وهم الأكثر ، إلى أنهم من بني إسرائيل ، وذلك أن موسى دعا الآباء فلم يجيبوه خوفا من فرعون ، وأجابته طائفة من أبنائهم مع الخوف ، وقال مجاهد : هم أولاد الذين أرسل إليهم موسى من طول الزمان ومات آباؤهم ، واختار ابن جرير قول مجاهد في الذرية أنها من بني إسرائيل ، لا من قوم فرعون ، لعودة الضمير على أقرب المذكورين ، وذهب فريق آخر إلى أنهم من قوم فرعون ، قال ابن عباس : الذرية التي آمنت لموسى من غير بني إسرائيل من قوم فرعون يسير ، منهم امرأة فرعون ، ومؤمن آل فرعون ، وخازن فرعون وامرأته خازنة (وإن كان لابن عباس قول آخر من بني إسرائيل) ، ويذهب ابن كثير إلى أنهم من قوم فرعون لأن بني إسرائيل كلهم آمنوا بموسى عليهالسلام ، وقد كانوا يعرفون نعته وصفته والبشارة به من كتبهم المتقدمة ، وأن الله سينقذهم به من أسر فرعون ويظهرهم عليه ، وأما الضمير «وفي ملئهم» فيرجع إلى فرعون ، والجمع لما هو معتاد في ضمائر العظماء ، ولا يأباه مقام بيان علوه في الفساد والتسلط على العباد ، أو لأن المراد به فرعون بمعنى آل فرعون أو لأنه ذو أصحاب يأتمرون أو إلى الذرية على خوف من فرعون وأشراف بني إسرائيل لأنهم كانوا يمنعون أعقابهم خوفا من فرعون عليهم وعلى أنفسهم (تفسير النسفي ٢ / ١٧٢ ـ ١٧٣ ، تفسير أبي السعود ٤ / ١٧٠ ، تفسير ابن كثير ٤ / ٢٢٢ ـ ٢٢٣ ، تفسير الطبري ١٥ / ١٦٣ ـ ١٦٧ ، تفسير الخازن ٣ / ٢٠٤٨٢٠٢ ، تفسير المنار ١١ / ٣٨٣ ـ ٣٨٤ ، تفسير القرطبي ص ٣٢٠٨.).
(٣) سورة يونس : آية ٨٣.