الصغار ، لا مجموعة الشعب الإسرائيلي ، وأن هؤلاء الفتيان كان يخشى من فتنتهم وردهم من أتباع موسى ، خوفا من فرعون وتأثير كبار قومهم ذوي المصالح عند أصحاب السلطان ، والأذلاء الذين يلوذون بكل صاحب سلطة ، وبخاصة من بني إسرائيل ، وقد كان فرعون ذا سلطة ضخمة وجبروت ، كما كان مسرفا في الطغيان لا يقف عند حد ، ولا يتحرج من إجراء قاس (١) ، وهكذا يبدو واضحا إلى أي مدى قد أذل الاستعباد قوم موسى ، وأفسد طباعهم ، فأعرضوا عن الحق وأصبحوا لا يملكون من أمر نفسهم شيئا ، فلقي منهم نبيّهم العنت الشديد.
وعلى أية حال ، فلقد عجب فرعون ، وهو يرى موسى عليهالسلام ، يواجهه بهذه الدعوى الضخمة «إني رسول رب العالمين» ثم يطالبه بهذا الطلب الضخم «أن أرسل معي بني إسرائيل» ، ومن ثم فقد كان بين موسى وفرعون جدل شق واستطال ذكّر فرعون فيه موسى بتربيته في القصر الملكي ، وكيف أحسن سلفه (٢) مثواه ، ثم كيف ارتكب جريمته تلك ، يعني قتل موسى لمصري ، ثم فر هاربا من مصر كلها ، دون أن يناله من القصاص ما يستحق (قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً ، وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ ، وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) (٣) ، وهكذا جمع فرعون كل ما حسبه ردا قاتلا لا يملك معه موسى جوابا ، ولا يستطيع مقاومته ، وبخاصة حكاية القتل ، وما يمكن أن يعقبها من القصاص ، فأجابه موسى عليهالسلام (قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ ، فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ ، وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) (٤).
__________________
(١) في ظلال القرآن ٣ / ١٨١٥.
(٢) قارن : ابن كثير : البداية والنهاية ١ / ٢٥٠.
(٣) سورة الشعراء : آية ١٨ ـ ١٩.
(٤) سورة الشعراء : آية ٢٠ ـ ٢٢.