فرعون ، ويحذره من غضب الله وبطشه ، وبما حدث لغيره من الطغاة العتاة ، ثم أعلن أنه أبرأ ذمته (فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) (١).
وهكذا فشل فرعون وملؤه في تدبير خطة لاغتيال موسى ، بل إن القرآن إنما يحدثنا أن فرعون إنما وجد المعارضة في داخل بيته نفسه ، من زوجته ، ذلك أن امرأة فرعون قد استطاعت أن تحرر فكرها ووجدانها من كل الأواصر والمؤثرات والقيود ، فترفض أن تسير في ركاب زوجها ، وأن تنساق في تيار المجتمع الذي تعيش فيه ، بل وتعلن عن موقفها في ثبات وإيمان ، بعد أن اتضح لها ضلال فرعون ، وتبيّن لها الحق في دعوة موسى ، رغم ضغط المجتمع وشدة وطأته ، ورغم مغيرات الحياة الرخية الناعمة في قصر أعظم ملوك الأرض ، وأكثرهم غنى ، وأرفعهم حضارة ، ورغم آصرة الزوجية التي تربطها بفرعون ، فكانت مثلا للشخصية الإنسانية المستقلة في الإيمان والقيم (٢) ، وإلى هذه السيدة الجليلة يشير القرآن الكريم في قوله تعالى : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٣) ، وهي التي
__________________
(١) أنظر : سورة غافر : آية ٢٨ ـ ٤٤ ، محمد بيومي مهران : إسرائيل ١ / ٣١٥ ـ ٣٣٠.
(٢) التهامي نقرة : المرجع السابق ص ٤٠١.
(٣) سورة التحريم : آية ١١ ، هذا وقد جاءت أحاديث شريفة في فضل امرأة فرعون منها قوله صلىاللهعليهوسلم «خير نساء العالمين أربع ، مريم ابنة عمران ، وآسية امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد رسول الله» ، ومنها قوله صلىاللهعليهوسلم : حسبك من نساء العالمين بأربع ، مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد» وقوله صلىاللهعليهوسلم : «أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون» (وأنظر عن هذه الأحاديث الشريفة وروايات أخرى لها : ابن كثير : التفسير ٢ / ٣٢ ـ ٣٤ ، البداية والنهاية ٢ / ٥٩ ـ ٦٣ ، تفسير الطبري ٦ / ٣٩٣ ـ ـ!؟ ، صحيح البخاري ٤ / ١٩٣ ، ٦ / ٢٣٩ ، صحيح مسلم ٢ / ٢٤٣ ، سنن الترمذي ٤ / ٣٦٥ ـ ٣٦٦ ، المستدرك للحاكم ٣ / ١٨٤ ، ـ