أودع الله في قلبها حب موسى عليهاالسلام ، والشفقة عليه ، والرحمة به منذ أول لحظة رأته فيها ، (وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) (١).
وعلى أي حال ، فلقد علم موسى عليهالسلام أن فرعون ماض في غلوائه وكبريائه ، كما علم بنو إسرائيل ما ينتظرهم من المحن والبلايا والفتن ، فتملكهم الرعب ، ولم يجدوا في أنفسهم قوة تعينهم على مجرد الصبر والاحتمال ، فقد قال لهم موسى : (اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) ، فكان جوابهم مما حكاه القرآن عنهم : (أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا) ، وهو جواب ينم عن عدم الإيمان بالله والثقة بعونه ونصره ، كما ينم عن شعورهم بهوان قدرهم والعجر عن الصبر (٢).
ونقرأ في التوراة أن موسى ضرب النهر بعصاه ، فتحول الماء دما ، ومات السمك وأنتن النهر ، وبعد أيام سبعة سلط الله عليهم الضفادع حتى اكتظت بها الأرض ، وحتى خيل أن الأرض تتحرك بسببها ، مما جعل فرعون يطلب من موسى أن يسأل ربه أن يرفع عنه هذا البلاء ، وحين أجيب إلى مسئوله عاد ثانية فاشتد قلبه (٣) ، فسلط الله على كل أرض مصر البعوض (٤) ، فإذا ما تذكرنا أن المصريين كانوا قوما يراعون منتهى الدقة في النظافة ، كما
__________________
ـ تحفة الأحوذي ١٠ / ٣٨٩) وأن امرأة فرعون ستكون زوجة للنبي صلىاللهعليهوسلم في الجنة (أنظر : البداية والنهاية ٢ / ٦٢).
(١) سورة القصص : آية ٩.
(٢) سورة الأعراف : آية ١٢٨ ـ ١٢٩ ، عبد الرحيم مودة : المرجع السابق ص ١٨٣.
(٣) خروج ٧ / ١٤ ـ ٢٢ ، ٨ / ١ ـ ١٥ ، ف. ب. ماير : حياة موسى ـ ترجمة القس مرقص داود ص ١٠٤.
(٤) استعملت الترجمة العربية والألمانية للتوراة كلمة «البعوض» ، وأما الترجمة الإنجليزية والفرنسية وهامش الكتاب المقدس ، فقد استعملت كلمة «القمل» بدلا من كلمة «البعوض».