كان الكهنة أكثر القوم مراعاة للنظافة كانوا يغتسلون مرارا ، ويحلقون شعورهم لكي لا يعلق بها أي دنس يعطلهم عن واجباتهم الدينية ، ومن ثم فقد كانت ضربة «البعوض» هذه ، فوق أنها أليمة ، فهي بغيضة إلى نفوسهم ، فإذا أضفنا إلى ذلك الذباب ، ولعله الجعران ، لعرفنا السبب الذي جعل فرعون يكرر طلبه إلى موسى أن يسأل ربه أن يرفع عن مصر هذه المصائب ، في مقابل أن يسمح لبني إسرائيل أن يذبحوا لربهم في البرية ، على ألا يبتعدوا كثيرا ، فما أن دعا موسى ربه ، وفرج الله كربة فرعون وقومه ، حتى عاد الطاغية إلى سيرته الأولى ، فاشتد على بني إسرائيل ، ومنعهم من الخروج ، ومن ثم فإن دعوات موسى بالمصائب على فرعون وقومه سرعان ما تتكرر ، ولكنها هذه المرة في الحقول ، وعلى الخيل والحمير والجمال (١). والبقر والغنم ، ولا يستثنى رب إسرائيل من هذا الوباء غير ماشية بني إسرائيل ، ولعل الأخيرة كانت السبب في أن فرعون لم يطلق سراح بني إسرائيل ، بجانب عناده وإصراره على الكفر والعناد ، ومن ثم فقد كرر رب إسرائيل مصائبه على فرعون وقومه ، فإذا الدمامل تنتشر في كل أرض مصر.
ومع ذلك فإن فرعون لم يؤمن بدعوة موسى وهارون ، ولم يسمح بخروج بني إسرائيل من مصر ، ومن ثم فقد سلط الله عليه وعلى قومه عاصفة محملة بالرعد والبرد ، ولم تهدأ إلا برجاء من فرعون لموسى بأن يكف الله هذا البرد ، وذلك الرعد عن البلاد والعباد ، وما أن تم ذلك حتى عاد فرعون سيرته الأولى ، فسلط الله عليه الجراد ، حتى أصبح وجه مصر الأخضر أسمرا
__________________
(١) لعل كلمة «الجمال» هنا من تحريفات التوراة ، ذلك لأن الجمال وقت ذاك ظلت على التحقيق غريبة على المصريين ، بل لقد كانت غريبة على من أقبل على مصر من الساميين ، فقد جاءت قبيلة «أبشاي» في الأسرة الثانية عشرة على الحمير ، لا الجمال ، بل إن استعمال الجمال لم يعرف في هذه المنطقة إلا في أخريات القرن الثالث قبل الميلاد ، وربما بعد ذلك (حسن ظاظا : الساميون ولغاتهم ص ١٢ ـ ١٣ ، أحمد عبد الحميد يوسف : المرجع السابق ص ٢٦).