بسبب الجراد ، وأخيرا ، وبدون إنذار ، حل الظلام على الأرض ، حتى لم يبصر أحد أخاه ، فشلت كل حركة في البلاد ، وارتعدت أقسى القلوب ، وطلب فرعون من موسى ألا يرى وجهه أبدا (١).
هذه هي الضربات التي أوقعها رب إسرائيل بفرعون وقومه ، كما جاءت في توراة يهود ، وهي وإن اتسمت بالمبالغة أحيانا ، وعدم الدقة أحيانا أخرى ، فإن ملامح مما جاء عنها في الذكر الحكيم ، قال تعالى : (وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) إلى قوله تعالى : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ) (٢) (وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ ، وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ ، فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ ، فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ) (٣).
وروى ابن كثير في التفسير عن سعيد بن جبير ، وغيره من السلف ، قال : لما أتى موسى عليهالسلام فرعون قال له : أرسل معي بني إسرائيل ،
__________________
(١) خروج ٨ / ١٦ ـ ٣٢ ، ٩ / ١ ـ ٣٥ ، ١٠ / ١ ـ ٢٩ ، مزمور ٧٨ / ٤٧ ـ ٤٨ ، ماير : المرجع السابق ص ١١١ ـ ١١٨.
(٢) اختلف المفسرون في لفظ «القمل» فقيل هي «الدبا» (الدبى) بفتح الباء ، وهي صغار الجراد الذي لا أجنحة له ، وهي البراغيث ، وهي دواب سود صغار ، وهي «الحمنان» وهي ضرب من القردان ، واحدتها «حمنانة» فوق القمقامة ، وهي ضرب شديد التشبث بأصول الشعر ، وهي السوس الذي يخرج من الحنطة ، وهي الجعلان وهو دابة سوداء من دواب الأرض ، وهي القمل جمع قملة ، وهي دابة تشبه القمل تأكل الإبل (تفسير ابن كثير ٣ / ٤٦١ ـ ٤٦٣ ، تفسير الطبري ١٣ / ٥٤ ـ ٥٦ ، مجاز القرآن ١ / ٢٢٦ ، الدر المنثور ٣ / ١٠٧ ـ ١٠٨ ، تفسير القرطبي ص ٢٧٠٥ ـ ٢٧٠٦ ، تفسير النسفي ٢ / ٧٢ ، صفوة التفاسير ١ / ٤٦٧).
(٣) سورة الأعراف : آية ١٣٠ ـ ١٣٦ ، وأنظر : تفسير الطبري ١٣ / ٤٥ ـ ٧٥ ، تفسير المنار ٩ / ٧٤ ـ ٨٤ ، تفسير ابن كثير ٣ / ٤٥٥ ـ ٤٦٤ ، الجواهر في تفسير القرآن الكريم ٤ / ٢١٠ ـ ٢١٢ ، تفسير القرطبي ص ٢٦٩٩ ـ ٢٧٠٨ ، تفسير البيضاوي ٣ / ٢٤ ـ ٢٥ ، الدر المنثور ٣ / ١٠٧ ـ ١٠٨.