وهنا لعلنا نتساءل : ما ذا عن الطوب المحروق الذي جاء في الآية الكريمة على عهد فرعون موسى ، وقد سبق عصره عصر الرومان بما لا يقل عن ألف من الأعوام؟
يروي الإمام الطبري في تاريخه عن قتادة أن فرعون موسى كان أول من طبخ الآجر ليبني به الصرح ، وروى الإمام النسفي في تفسيره لقوله تعالى : (فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ) ، أي أطبخ لي الآجر وأتخذه ، وإنما لم يقل مكان الطين هذا لأنه أول من عمل الآجر ، فهو يعلمه الصنعة بهذه العبارة ، ولأنه أفصح وأشبه بكلام الجبابرة ، إذ أمر هامان وزيره بالإبقاء على الطين فنادى باسمه بـ «يا» في وسط الكلام ، دليل التعظم والتجبر ، وروى القرطبي عن حبر الأمة وترجمان القرآن ، عبد الله بن عباس ، رضياللهعنهما ، أن فرعون موسى إنما كان أول من صنع الآجر وبنى به ، وروى عن الإمام السيوطي في تفسيره عن ابن أبي حاتم عن قتادة : كان فرعون أول من طبخ الآجر وصنع له الصرح ، وأخرج ابن المنذر عن ابن جريح قال : فرعون أول من صنع الآجر وبنى به ، وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سعيد بن جبير في قوله : «فأوقد لي يا هامان على الطين» قال : أوقد على الطين حتى يكون آجرا ، وقال الإمام البيضاوي : أول من اتخذ الآجر فرعون ، ولذلك أمر باتخاذه على وجه يتضمن تعليم الصنعة ، مع ما فيه من تعظيم ، ولذا نادى هامان باسمه بيا في وسط الكلام (١) ، ومن ثم فأكبر الظن أن المفسرين ، كما بدا لنا من قبل ، قد كانوا يستندون إلى طائفة من الخبر الصحيح كانت بين أيديهم ، وأن اختلط كذلك بما لا قيمة له من الأوهام ، كحديثهم عن أصل فرعون موسى هذا (٢).
__________________
(١) تفسير النسفي ٣ / ٢٣٧ ، تفسير الدر المنثور ٥ / ١٢٩ ، تفسير القرطبي ص ٥٠٠٤ ، تفسير البيضاوي ٤ / ١٢٨ ، تاريخ الطبري ١ / ٤٠٥.
(٢) يروي المفسرون عن فرعون موسى حكايات أشبه بالأساطير منها بحقائق التاريخ ، فهو ، فيما ـ