مكان ، وهكذا كانت النقمة عامة ، وكان بلاء من السماء ، لم يصب الطبقة الحاكمة وحدها ، وإنما شمل الناس جميعا ، بما فيهم الكهنة وعامة الناس (١) ، وصدق الله العظيم حيث يقول : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (٢).
ومع ذلك فقد ظل فرعون على عناده وكفره وكبريائه ، فدعا موسى على فرعون وملئه ، واستجاب الله لدعاء نبيّه الكريم وأخذ فرعون وقومه ببعض ذنوبهم ، لعل فرعون يرعوي ويؤمن بموسى ورسالته ، ويطلق بني إسرائيل من أسره ، غير أن ذلك لم يزده إلا تجبرا وتكبرا ، فيعلن للملإ : (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي ، فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى ، وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ) (٣) ، ولعل من الأهمية بمكان أن نقف قليلا عند هذه الآية الكريمة ، ذلك أن ما عرف عن فراعين مصر ، وما تشهد به اليوم آثارهم ، أنهم إنما كانوا ينشئون ، ما شاءوا ، من الحجر ، وهو كثير وافر يغنيهم عما سواه ، إن أرادوا لما ينشئون الدوام وطول البقاء ، فكانوا يتخذون منه المعابد والمسلات والقبور ، ولم يصطنعوا الطوب المحروق ، ولغير ذلك كانوا يتخذون اللبن من طين غير محروق ، فكانوا يتخذون منه بيوتهم ، سواء أكانت للعلية من القوم والملوك ، أم للعامة وغمار الناس ، وربما تردد القارئ غير المسلم فيما يسمع من قول الله في أمر فرعون أن يوقد له هامان على الطين ، وقد عرف أن المصريين فيما خلفوا من آثارهم لم يتخذوا الآجر المحروق في البناء قبل عصر الرومان (٤).
__________________
(١) عبد الرحيم فودة : المرجع السابق ص ١٨٣ ـ ١٨٤.
(٢) سورة الأنفال : آية ٢٥.
(٣) سورة القصص : آية ٣٨ ، وأنظر : سورة غافر : آية ٣٦.
(٤) أحمد عبد الحميد يوسف : المرجع السابق ص ١٣٧ ـ ١٣٨.