على أن هناك من يذهب إلى أن مصر عند ما قررت التوسع شرقا إلى بابل ، رأت أنه من ضروريات السياسة الجديدة إقرار البدو نشرا للأمن ، فضلا عن الاستقرار ، فشق هذا الوضع الجديد على بني إسرائيل الذين كانوا ينزلون «وادي جوشن» من عهد يوسف عليهالسلام ، كبدو يروحون ويغدون ، وهم بحكم هذا الضرب من الحياة تغلب عليهم النزعة الفردية ، وينفرون من الملكية الجماعية ، ومن ثم فقد تمردوا مفضلين البداوة والترحال ، على الحضارة والاستقرار (١).
على أن هناك وجها آخر للنظر ، يذهب إلى أن الخروج إنما قد تم برغبة المصريين ، ذلك لأن الطاعون قد انتشر بين الإسرائيليين ، مما اضطر المصريون إلى أن يتركونهم يخرجون حتى لا ينتشر الوباء بين المصريين أنفسهم ، ولعل هذا الرأي إنما يتفق مع ما رواه «يوسف اليهودي» نقلا عن مانيتو ، من أن خروج بني إسرائيل من مصر ، إنما كان رغبة من المصريين في أن يتقوا وباء فشا بين اليهود المستعبدين المملقين ، وأن موسى نفسه إنما كان كاهنا مصريا خرج للتبشير بين اليهود المجذومين ، وأنه علمهم قواعد النظافة على نسق القواعد المتبعة عند الكهنة المصريين ، هذا فضلا عن أن المؤرخين الأغارقة والرومان إنما يفسرون قصة الخروج على هذا النحو (٢).
ولعل الوصول إلى رأي في المشكلة يقرب من الصواب ، أو يكاد ، من وجهة نظر التوراة ، إنما يتطلب منا الرجوع إلى نصوص التوراة نفسها ، وبخاصة فيما يتصل بدعوة موسى عليهالسلام ، وهل كانت لهداية المصريين والإسرائيليين سواء بسواء ، أم أنها كانت تهدي إلى إخراج بني إسرائيل من
__________________
(١) فؤاد حسنين : إسرائيل عبر التاريخ ١ / ٥٤ ـ ٥٥.
(٢) ول ديورانت : المرجع السابق ص ٣٢٦ ، وكذا A. Lods, Israel, From its Beginnings to
١٦٨.p ، ١٩٦٢. Middle of the Eighth Century, Londmn, the