للأولين على الآخرين ، ومن هنا فإن الله لم يهدهم إلى أقرب الطرق إلى كنعان «لئلا يندم الشعب إذا رأوا حربا ويرجعوا إلى مصر (١)» ، بل إن هناك نصوصا توراتية تقرر أن بني إسرائيل إنما كانوا يعارضون فكرة الخروج من مصر منذ أن عرضها عليهم موسى ، بادئ ذي بدء ، وأنهم حين خرجوا منها ، سواء أكان ذلك بأمر فرعون أو بتحريض من موسى ، فقد كانوا لذلك من الكارهين ، ومن هنا فقد كثرت ثوراتهم على موسى في سيناء ، بل حتى وهم على أبواب كنعان ، حيث نادوا بخلع موسى ، والمناداة برئيس جديد يستطيع أن يعود بها إلى أرض الكنانة «أليس خيرا لنا أن نرجع إلى مصر ، فقال بعضهم لبعض نقيم رئيسا ونرجع إلى مصر (٢)».
على أن آي الذكر الحكيم إنما تقرر أن الخروج من مصر ، إنما كان بوحي من الله تعالى إلى موسى عليهالسلام ، قال تعالى : (وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى) (٣) ، وقال تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) (٤) ، وقال تعالى : (فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ ، وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ) (٥) وهذا كله يفيد أن الخروج إنما كان بأمر من الله لموسى عليهالسلام ، فلقد أوحى الله تعالى إلى موسى أن يسري بعباده ، وأن يرحل بهم ليلا ، بعد تدبير وتنظيم ، ونبأه أن فرعون سيتبعهم بجنده ، وأمره أن يقود قومه إلى ساحل البحر (٦) ، وبدهي أنه ليس بعد قول الله تعالى قول ،
__________________
(١) خروج ١٣ / ١٧ ـ ١٨.
(٢) خروج ١٤ / ١١ ـ ١٢ ، عدد ١٤ / ٣ ـ ٤.
(٣) سورة طه : آية ٧٧.
(٤) سورة الشعراء : آية ٥٢.
(٥) سورة الدخان : آية ٢٣ ـ ٢٤.
(٦) في ظلال القرآن ٥ / ٢٥٩٧.