بالمعارضين (١) ، وثانيهما : أن المصادر المصرية القديمة ، والتي تمتاز عن غيرها من مصادر الشرق الأدنى القديم بوضوحها وكثرة آثارها ونصوصها ، كان من المنتظر أن تمدنا هذه المصادر المصرية بمعلومات كافية عن موسى عليهالسلام ، غير أن هذه المصادر ، في غالبيتها ، إنما كتبت بأمر من الملوك ، أو بوحي منهم ، أو على الأقل برضى منهم ، فإذا تذكرنا أن الملك كان في العقيدة المصرية القديمة مؤلها ، كان من الطبيعي ألا يستسيغ الفكر المصري أن يهزم الملك المؤله أو الإله في حرب خاض غمارها ، ولهذا فالنصر كاد أن يكون حليفه فيها ، وقد تكون الحقيقة غير ذلك (٢) ، ومن المعروف أن قصة موسى ، كما جاءت في التوراة والقرآن العظيم ، إنما انتهت بغرق الفرعون وجنوده في البحر ، ونجاة موسى ومن آمن معه بالواحد الأحد ، وليس من المقبول ، طبقا للعقيدة الملكية الإلهية في مصر القديمة ، أن تسجل النصوص غرق الفرعون الإله ، ونجاة عبيده العبرانيين ، ومن هنا كان من الصعب العثور على اسم موسى وقصة خروجه ببني إسرائيل من مصر ، حتى الآن على الأقل ، رغم ضخامة التركة الأثرية التي خلفتها لنا مصر في العصور الفرعونية (٣).
وأما ثاني الأسباب فإنما يرجع إلى الاضطراب الواضح بين نصوص التوراة ، حتى استطاع العلماء أن يستخرجوا منها تاريخين مختلفين للخروج في وقتين مختلفين ، يكاد الواحد منهما يبعد عن الآخر بأكثر من قرنين من الزمان ، حيث اعتمد البعض على نص في سفر الملوك ، توصلوا إلى أن الخروج إنما كان على أيام تحوتمس الثالث (١٤٩٠ ـ ١٤٣٦ ق. م) (٤) بينما
__________________
(١) رشيد الناضوري : الفكر الديني ـ بيروت ١٩٦٩ ص ١٧٤.
(٢) محمد بيومي مهران : الثورة الاجتماعية الأولى في مصر الفراعنة ص ٣.
(٣) محمد بيومي مهران : إسرائيل ١ / ٣١٤ ـ ٣١٥.
(٤) ملول أول ٦ / ١.