(وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) (١) وقال تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ، اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) (٢).
ومن هنا كان طلب القرآن الكريم الإيمان بكل الرسل ، كما طلب كذلك الإيمان بما أنزل عليهم ، وكان الإيمان بالبعض دون البعض الآخر خروجا عن دين الله وهديه (٣) ، يقول سبحانه وتعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ
__________________
ـ وحدد لا شريك له ، وإن تنوعت الشرائع التي هي بمنزلة الأمهات ، والمقصود ، كما يقول ابن كثير ، أن الشرائع وإن تنوعت في أوقاتهما إلا أن الجميع آمرة بعبادة الله وحده لا شريك له ، وهو دين الإسلام الذي شرعه الله لجميع الأنبياء ، وهو الدين الذي لا يقبل الله غيره يوم القيامة ، كما قال تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) ، ويقول الإمام محمد عبده : أن القرآن قد صرح بما لا يحتمل الريبة بأن دين الله في جميع الأزمات وعلى ألسن جميع الأنبياء ، واحد ، ويقول الأستاذ الشاذلي وأما الشرائع فمختلفة في الأوامر والنواهي ، فقد يكون الشيء في هذه الشريعة حراما ثم يحل في الأخرى وبالعكس ، وخفيفا فيزداد في الشدة في هذه دون هذه ، لماله تعالى من الحجة الدافعة والحكمة البالغة ، قال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة : «لكل جعلنا منكم شرعة ومنها جما» ، يقول : سبيلا وسنّة ، والسنن مختلفة ، هي في التوراة شريعة ، وفي الإنجيل شريعة وفي الفرقان شريعة ، يحل الله فيها ما يشاء ويحرم ما يشاء ليعلم من يطيعه ممن يعصيه ، والدين الذي لا يقبل الله غيره هو التوحيد والإخلاص لله تعالى الذي جاءت به جميع الرسل (انظر : محمد عبده : المرجع السابق ص ١٦٣ ، عبد الله شحاتة : تفسير سورة الإسراء ، القاهرة ١٩٧٥ ص ١٠ ، الباقوري : المرجع السابق ص ١٣٩ ، عبد المجيد الشاذلي : حد الإسلام وحقيقة الإيمان ـ جامعة أم القرى ـ مكة المكرمة ص ١٠٠ ، محمد بيومي مهران : المرجع السابق ص ٥ ـ ٦ ، مختصر تفسير ابن كثير ١ / ٤٥٩ ، البداية والنهاية ١ / ١٥٣ ـ ١٥٤ ، محمود أبو رية : المرجع السابق ص ٣٥ ـ ٤٥)
(١) سورة المؤمنون : آية ٥٢ ، وانظر تفسير القرطبي ص ٤٥٢٠ ـ ٤٥٢١ (دار الشعب).
(٢) سورة الشورى : آية ١٣.
(٣) محمد أبو زهرة : العقيدة الإسلامية لما جاء بها القرآن الكريم ـ القاهرة ١٩٦٩ ص ٨٥ ـ ٨٦ ، تفسير المنار ١٠ / ١٨٢ ـ ١٨٣ خالد محمد خالد : كما تحدث القرآن ـ القاهرة ١٩٧٠ ص ٩٩ ـ ١٢٢.