وربما لتغير ميزان الاقتصاد العالمي ، بظهور معدن الحديد ، قد اضطر مصر إلى التخلي عن سلطانها في آسيا الغربية ، وربما كانت هذه الأسباب مجتمعة هي السبب ، وأيا ما كان الأمر ، فليس هناك من دليل واضح على أن مصر ، بعد وفاة رعمسيس الثالث ، قد احتفظت بإمبراطوريتها في فلسطين وسورية ، وإن ظل لها نفوذ في كثير من المناطق ، بدليل العثور على جعارين لرعمسيس الرابع في تل الصافي وتل زكريا وتل جازر ، ولرعمسيس السادس في تل أسانة في سورية ، وتمثال من البرونز لنفس الفرعون في مجدو ، على أن مثل هذه الأشياء الصغيرة لا تدل على معان قوية لها من القيمة ما لها من ناحية سلطان مصر في غربي آسيا ، ومن هنا كانت فرصة بني إسرائيل في الاستيلاء على جزء من فلسطين ، كما تمكن البلست (الفلسطينيين) من احتلال بعض مدن كنعان الساحلية ، وكذا الكثير الذين احتلوا مدينة «دور» جنوبي الكرمل (١).
ومنها (خامس عشر) ما جاء في القرآن الكريم من أن فرعون قد طلب من هامان أن يوقد له على الطين فيبني له صرحا ، قال تعالى : (وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ) (٢) ، وقد ناقشنا من قبل قصة الآجر المحروق ، وكيف أن المفسرين ، ومنهم الإمام الطبري والقرطبي والنسفي والبيضاوي والسيوطي وغيرهم ، رووا عن علماء السلف ، كابن عباس وقتادة وسعيد بن جبير وابن جريح وعبد بن حميد وغيرهم ، أنهم قالوا : إن فرعون موسى كان أول من اتخذ الآجر ليبني به
__________________
(١) J. Cerney, Egypt of the Death of Ramsses, III, to The End of The Twenty ـ First Dynasty, ١٣ ـ ١١.p ، ١٩٦٥.
(٢) سورة القصص : آية ٣٨ ، وانظر : غافر : آية ٣٦.