ويعلل «سمث» سكوت المصادر المصرية عن قصة الخروج بأن ذلك لا يدعو إلى الدهشة ، لأن الآثار الفرعونية لم تحفل بحادث خروج بني إسرائيل ولم تسجل خطواته ، ذلك لأن فرار مجموعة من العبيد من سادتهم لا يمثل حدثا يثير الاهتمام الفكري لدى المصريين ، خاصة وأن بني إسرائيل قد عاصروا بمصر عهودا حافلة بجلائل الأعمال استنفذت ، فيما يبدو ، نشاط المثالين ومدوني التاريخ (١).
والرأي عندي أن العلامة «جاردنر» قد أخطأ كثيرا في تصوره عن قصة خروج بني إسرائيل من مصر ، ذلك ، لأن القصة وإن لم تذكر في المصادر المصرية القديمة لأسباب سنذكرها حالا ، فقد ذكرت بالتفصيل في التوراة والإنجيل والقرآن العظيم ، كما رأينا من قبل ، وبدهي أنه ليس من العلم ، فضلا عن الإيمان بكتب السماء ، وأن نشك في أمر أجمعت عليه هذه الكتب ، كما أنه ليس ببعيد أن تكشف أعمال التنقيب ، فيما تكشف ، عن بعض الآثار التي تروي هذه القصة أو حتى تعين على مزيد من الإيضاح.
وأما تعليل «سمث» للحدث الخطير فبعيد عن الصواب كذلك ، لأن الآثار الفرعونية لم تحفل بحادث خروج بني إسرائيل ، من مصر لأسباب أخرى ، غير ما ذكر «سمث» ، منها (أولا) أن احتمال العثور على أسماء الأنبياء والرسل في النصوص الإنسانية ضعيف ، ذلك لأن حقيقة الصراع بين دعوات الأنبياء ، وسلطات الملوك المؤلهين أو شبه المؤلهين يدعو إلى عدم سماح الملوك بتسجيل مبادئ هذه الدعوات والصراع بينها وبينهم ، وتلك ظاهرة يلمسها المؤرخ بوضوح في تاريخ الشرق الأدنى القديم ، كما في قصة إبراهيم عليهالسلام مع ملك العراق ، وقصة موسى عليهالسلام مع فرعون مصر ، على سبيل المثال ، ومنها (ثانيا) أن المصادر المصرية
__________________
(١) ٣٨ J.W.D.Smith ,God and Man in Early Israel ,P ..