من فيك رائحة المسك فأفسدته بالسواك ، أو أن الله أوحي إليه : أما علمت أن خلوف فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك ، فأمره أن يزيد عليها عشرة أيام من ذي الحجة ، روي عن ابن عباس وغيره : فعلى هذا يكون قد كمل الميقات يوم النحر ، وحصل فيه التكلم لموسى عليهالسلام ، وفيه أكمل الله الدين لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، كما قال تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) ، وكان موسى لما أتم الصيام ثلاثين يوما وعزم على الذهاب إلى الطور ، استخلف على بني إسرائيل أخاه هارون ووصاه بالإصلاح وعدم الإفساد ، وهذا تنبيه وتذكير ، وإلا فهارون عليهالسلام نبي شريف كريم على الله ، وله وجاهة وجلالة صلوات الله عليه وعلى سائر الأنبياء ، وهناك كما أشرنا ، أنكر ريح فمه فاستاك بعود خرنوب أو بلحاء شجرة ، فأمره الله أن يصوم عشرة أيام أخرى ، وفي تلك الليالي العشر ، افتتن بنو إسرائيل ، لأن الثلاثين انقضت ولم يرجع إليهم موسى (١) ، وإلى هنا يشير القرآن الكريم في قوله تعالى : (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ، وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) (٢) ، وقال تعالى : (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ) (٣).
وهكذا لم يمضي وقت طويل على انغلاق البحر لموسى وقومه ، حتى كانت الردة وعبادة العجل ، كما جاء في التوراة والقرآن العظيم ،
__________________
(١) تفسير الكشاف ٢ / ١٥١ ، تفسير النسفي ١ / ٤٨ ، ٢ / ٧٤ ، تفسير أبي السعود ١ / ١٧٤ ، الدر المنثور ٣ / ١١٥ ، تفسير روح المعاني ١ / ٢٥٧ ـ ٢٥٨ ، تفسير البحر المحيط ٤ / ٣٧٩ ، مختصر تفسير ابن كثير ٢ / ٤٨ ، تاريخ الطبري ١ / ٤٢١ ـ ٤٢٢ ، ابن الأثير ١ / ١٠٧.
(٢) سورة الأعراف : آية ١٤٢.
(٣) سورة البقرة : آية ٥١ ، ٥٤ ، ٩٢ ـ ٩٣ سورة طه : آية ٨٣ ـ ٩٨.