ويقول تعالى : (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ ، أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً ، اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ ، وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ ، وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ، قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ، إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ) (١).
وهكذا بقيت الوثنية راسخة في قلوب بني إسرائيل ، حتى بعد انغلاق البحر لهم ، وحتى بعد أن جاوزوه على يبس ، وحتى بعد أن منّ الله عليهم بالمن والسلوى ، وحتى بعد أن استسقوا موسى فضرب الحجر بعصاه فأنجبت منه اثنتا عشرة عينا ، لكل سبط من الأسباط الاثني عشر مشربهم ، وحتى بعد أن نزلت عليهم شريعة تحذرهم من اتخاذ آلهة أخرى غير الله ، حتى بعد هذا كله ، فإنهم سرعان ما زاغوا عن الطريق المستقيم ، وكفروا بالله الواحد الأحد ، «وصنعوا لهم عجلا مسبوكا وسجدوا له وذبحوا وقالوا : هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر» (٢) ، وهو نفس ما سيفعلونه في دويلة
__________________
(١) سورة الأعراف : آية ١٤٨ ـ ١٥٢ ، وانظر : تفسير الطبري ١٣ / ١١٧ ـ ١٣٦ ، تفسير الطبرسي ٩ / ٢٦ ـ ٣٢ ، تفسير القاسمي ٧ / ٢٨٥٩ ، تفسير روح المعاني ٩ / ٦٧ ـ ٧٠ ، تفسير ابن كثير ٣ / ٤٧٣ ـ ٤٧٥ ، تفسير المنار ٩ / ١٧٢ ـ ١٨٣ ، تفسير القرطبي ص ٢٧٢٠ ـ ٢٧٢٨ ، تفسير الفخر الرازي ١٥ / ١٠٨ ـ ١١١ ، تفسير الكشاف ٢ / ١١٨ ـ ١٢٠ ، تفسير أبي السعود ٢ / ٤٠٦ ـ ٤٠٩ ، الجواهر في تفسير القرآن الكريم ٤ / ٢١٩ ـ ٢٢١ ، تفسير الجلالين ص ١٥٥ ، تفسير وجدي ص ٢١٤ ـ ٢١٥.
(٢) خروج ٣٢ / ٧ ـ ٨.