بقيت الإشارة هنا إلى أن النبوة فضل يسبغه الله على من يشاء من عباده ، وهبة ربانية يمنحها الله لمن يريد من خلقه ، وهي لا تدرك بالجد والتعب ، ولا تنال بكثرة الطاعة والعبادة ، ولا يتوسل إليها بسبب ولا نسب ، وإنما هي بمحض الفضل الإلهي ، فالله يختص برحمته من يشاء ، وهي تأتي إلى النبي من تلقاء نفسها ، وعلى غير توقع منه ، فهي إذن اصطفاء واختيار من الله سبحانه وتعالى للمصطفين الأخيار من عباده (١) ، وصدق الله العظيم حيث يقول : «الله أعلم حيث يجعل رسالته» (٢).
ومن ثم فإن الله سبحانه وتعالى إنما يختص بهذه الرحمة العظيمة ، والمنقبة الكريمة ، من كان أهلا لها ، بما أهله ، جل شأنه ، من سلامة الفطرة ، وعلو الهمة ، وزكاة النفس ، وطهارة القلب ، وحب الخير والحق ، وكان أذكياء العرب في الجاهلية ، على شركهم بالله تعالى ، يعلمون أن الصادقين محبي الحق ، وفاعلي الخير من الفضلاء ، أهل لكرامته تعالى وعنايته ، كما يؤخذ من استنباط أم المؤمنين خديجة في حديث أم المؤمنين عائشة ، رضياللهعنهما ، في بدء الوحي ، فإنه (ص) لما قال لخديجة : «لقد خشيت على نفسي» ، قالت له : «كلا فو الله لا يخزيك الله أبدا ، إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث ، وتحمل الكلّ وتكسب المعدوم،وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق» (٣).
__________________
(١) تفسير المنار ٨ / ٣٣ ـ ٣٤ ، محمد علي الصابوني : النبوة والأنبياء ـ بيروت ١٩٨٠ ص ٨.
(٢) سورة الأنعام : آية ١٢٤ ، وانظر : تفسير روح المعاني ٨ / ٢١ ـ ٢٣ ، تفسير المنار ٨ / ٣٢ ـ ٣٥ ، تفسير ابن كثير ٣ / ٣٢٣ ـ ٣٢٦.
(٣) صحيح مسلم ١ / ٣٧٩ ـ ٣٨٠ ، وانظر : ابن كثير : السيرة النبوية ١ / ٣٩٤ ـ ٣٩٥ ، تفسير المنار ٨ / ٣٤ ، عبد الحليم محمود : المرجع السابق ص ٣٥٤.