الأخلاق ، وهكذا فالأنبياء في الأساس العام دعاة إلى توحيد الله وهداة إلى الفضائل. ومكارم الأخلاق ، ومن ثم فإن الديانات إنما تلتقي على فكرة التوحيد وحسن السلوك ، وإن اختلفت الوسيلة لتهذيب هذا السلوك من نبي لآخر ، وهكذا رأينا من الأنبياء من حارب رذائل معينة انتشرت بين قومه ، كتطفيف الكيل الذي حاربه شعيب ، وكالانحراف الجنسي الذي وقف أمامه لوط بكل إصرار وحزم (١).
وهنا علينا أن نلاحظ أن هناك فرقا بين الدين في ثباته وعدم تبدله بتبدل الأنبياء ، وبين تبدل الشرائع وتغيرها بتبدل الأنبياء وتغيّرهم ، بل ينبغي أن يكون هذا الفرق واضحا في الذهن ، سائقا في الفهم ، وهو كذلك فيما يقرر القرآن الكريم ، فأما من ناحية العقل والفكر ، فإن الدين ، أي دين ، إنما هو قائم على أصول ثلاثة : أولها : الإيمان بأن لهذا الكون إلها خالقا مدبرا ، ومحيط العلم ، بالغ القدرة ، لا يغرب عن علمه شيء ، ولا يعترض قدرته شيء ، وثاني الأصول الدعوة إلى العمل الصالح الذي يشيع على الإنسانية الأمن والسلام ، وثالث الأصول أن الله لم يخلق الناس عبثا ، ولن يتركهم سدى ، وأنهم لا بد راجعون إليه ، ومحاسبون بين يديه ، ومجازون على ما عملوا إن خيرا فخيرا ، وإن شرا فشرا.
هذا ما يتصل بالدين في عدم قبوله التغيير والتبديل ، وأما ما يتصل بالشرائع حيث هي مجموعة قوانين تنظم السلوك في المجتمع ، فإنها قابلة للتغيير والتبديل ، بمقتضى تغيّر البيئات واختلاف المصالح ، وقد أشار إلى ذلك القرآن الكريم والحديث الشريف (٢).
__________________
(١) أبو الحسن الماوردي : أعلام النبوة ـ القاهرة ١٩٧١ ص ٢٢ ، محمود أبو رية : المرجع السابق ص ١١٩ ، عبد الله شحاتة ، المرجع السابق ٨ ـ ٩.
(٢) مجموعة فتاوي ابن تيمية ١ / ٣٥٧ ، وانظر : الباقوري : المرجع السابق ص ١٣٧ ـ ١٣٩ ، خالد محمد خالد : المرجع السابق ، ص ١١٥ ، عبد الله شحاتة : المرجع السابق ص ١٠.