إسرائيل يعبدون العجول المعدنية بعد خروجهم من مصر بطويل زمن ، لارتوائهم من مبادئ بلاد ما بين النهرين الدينية ، وكان هذا هو الوجه المفضل الذي يرمزون به إلى ربهم «يهوه» (١).
وهناك ما يشير إلى أن إله العبريين «يهوه» إنما هو في الأصل إله قمري ، فقد كان يرسم في العصور القديمة في صورة «ثور» فضلا عن أننا نجد قرنين في مذبحه (٢) ، هذا إلى جانب ما يفهم من التوراة (العهد القديم) أن الديانة العبرية كانت توصف قبل السبي البابلي في القرن السادس قبل الميلاد ، بأنها ديانة قمر وشمس وكواكب (٣) ، مما يدل بوضوح على أن بني إسرائيل ، على أيام الملكية ، قد تبنى ملوكهم ديانات الشرك ، بجانب ديانة يهوه ، وأقاموا عجولا من ذهب وضعوها في مبان كالمعابد ، كما فعل يربعام أول ملوك دويلة إسرائيل بعد الانقسام في أعقاب موت سليمان عليهالسلام ، في مدينتي دان وبيت إيل (٤) ، كما أشرنا من قبل ، وكما فعل خليفته البعيد «أخاب» (٨٦٩ ـ ٨٥٠ ق. م) في عاصمته السامرة (٥).
وانطلاقا من هذا كله ، فالرأي عندي ، أن عجل الذهب الذي عبده بنو إسرائيل في أوائل مرحلة الخروج من سيناء ، وموسى عليهالسلام ما يزال بين ظهرانيهم يتلقى الوحي من ربه في طور سيناء ، إنما كان تقليد العبادة العجل المقدس في مصر ، وليس تقليدا لعبادة الإلهة البقرة حاتور ، وربما كان من أسباب ذلك (أولا) أن حاتور إنما كانت معبودة في مصر العليا (الصعيد) أكثر منها في مصر السفلى (الدلتا) حيث كان بنو إسرائيل يعيشون على أطراف
__________________
(١) جوستاف لوبون : اليهود في تاريخ الحضارات الأولى ص ٦١.
(٢) ملوك أول ١٢ / ٢٨ ، ملوك ثان ٢٣ / ١١ ، خروج ٣٢ / ٤ ، هوشع ٨ / ٥ ـ ٦.
(٣) ملوك ثان ١٧ / ١٦ ، ٢١ / ٣ ، ٥ ، ٢٣ / ٤ ـ ٥ ، إرميا ٨ / ٢.
(٤) ملوك أول ١٢ / ٢٦ ـ ٣٦.
(٥) ملوك أول ١٦ / ٣١ ـ ٣٣.