كبير ، ومن ثم فإن بني إسرائيل عند ما دخلوا منطقة جنوب سيناء ، حيث أقام المصريون المشتغلون بالتعدين معبدا لحاتور ، ارتدوا عن الوحدانية إلى العقائد الوثنية التي اكتسبوها بمصر ، وطالبوا موسى عليهالسلام بأن يجعل لهم إلها ، ربما على هيئة حاتور ، غير أن كليم الله عليهالسلام ، استطاع بقوة إيمانه ، ورسوخ عقيدته ، وقوة شخصيته أن يمنع قطيعه من الردة الأولى هذه ، وبالتالي لم يتمكن القطيع من عبادة حاتور أو غيرها من الآلهة الوثنية ، لكنهم سرعان ما اهتبلوا فرصة ذهاب موسى لميقات ربه لمدة ثلاثين ليلة ، فلما أتمها له ربه أربعين ليلة ، كفر القطيع بموسى ، وإله موسى ، وعادوا إلى ما ألفوه من عبادة العجول في مصر ، وانطلاقا من كل هذا ، يمكننا القول أن الردة الأولى إنما كانت لعبادة حاتور ، الإلهة البقرة ، ولكن موسى عليهالسلام نجح في وأد المحاولة في بدايتها ، وأما الردة الثانية فكانت لعبادة العجل الذهبي ، تقليدا لعبادة العجل منفيس أو أبيس ، لا ندري على وجه اليقين.
ومن ثم فإننا نوافق الرأي الذي ذهب إلى أن معبود إسرائيل الذهبي في سيناء إنما كان عجلا ، ولم يكن بقرة ، صحيح أن بعض العلماء نادى المعبود إنما كان بقرة ، ولكن الذي يلزمنا هنا هو كلام الله عزوجل ، كما جاء في الذكر الحكيم (١) ، فضلا عن التوراة (٢) ، وليس ما درج الباحثون أن يقدموا ، فإنما هو اجتهاد ، وفوق كل ذي علم عليم ، وصدق الله العظيم حيث يقول : (وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ) (٣) ، ويقول : (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً
__________________
(١) أنظر : سورة البقرة : آية ٥١ ـ ٥٤ ، ٩٢ ـ ٩٣ ، النساء : آية ١٥٣ ، الأعراف : آية ١٤٨ ـ ١٥٢ ، طه : آية ٨٣ ـ ٩٨.
(٢) خروج ٣٢ / ٣ ـ ٦.
(٣) سورة البقرة : آية ٩٢ ، وانظر : تفسير الطبري ١ / ٣٥٤ ـ ٣٥٨ ، تفسير النسفي ١ / ٧١ ـ ٧٢ ، ـ