بعيدا ، فيرون في سفر الخروج أن الذي صنع العجل وأغوى بني إسرائيل ، إنما هارون ، وليس السامري ، حين اتخذ لهم عجلا جسدا له خوار في غيبة موسى (١) ، ولست أدري كيف نسي كتبة التوراة أن هارون أخو موسى ، ونبي ورسول من الله مع موسى ، ونائب وخليفة لموسى في غيابه ، ولكنهم بنو إسرائيل دائما مع الفاسد المفسد ، ولو كان السامري ، قال تعالى : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا ، وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا ، وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا) (٢) ، وقال تعالى : (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ ، وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ ، وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ ، وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ، وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ ، سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ ، إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ، إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) (٣).
وعلى أية حال ، فإن موسى سرعان ما يقرر ، فيما تروي التوراة ، أن هذا الشر ، وأن هذه الردة ، ليس لها من توبة ، إلا شفار الأسنة يسلونها ليضرب بها اللاويون ، سبط موسى ، رقاب الآخرين ، وطبقا لرواية سفر الخروج فلقد «وقع من الشعب في ذلك اليوم نحو ثلاثة الأف رجل» (٤) ، هذا وقد اختلف المفسرون فيمن عبد العجل من بني إسرائيل ، فمن قائل عبده ثمانية آلاف ، ومن قائل عبده جميعهم ، إلا هارون ، فضلا عن اثنى عشر ألفا منهم ، ومن قائل عبده كل بني إسرائيل إلا هارون ، وقال عبد الرحمن بن زيد : كانوا سبعين رجلا قد اعتزلوا مع هارون العجل لم يعبدوه (٥) ، على
__________________
(١) خروج ٣٢ / ١ ـ ٢٤.
(٢) سورة مريم : آية ٥١ ـ ٥٣ ، وانظر : طه : آية ٢٩ ـ ٣٦ ، الشعراء : آية ١٢ ـ ١٧ ، القصص : آية ٣٤ ـ ٣٥.
(٣) سورة الصافات : آية ١١٤ ـ ١٢٢.
(٤) خروج ٣٢ / ٢٦ ـ ٢٩.
(٥) تفسير الخازن ١ / ٦٢ ، مختصر تفسير ابن كثير ١ / ٦٥.