أن «سبينوزا» يذهب إلى أن الإسرائيليين جميعا ، قد عبدوا العجل ، باستثناء اللاويين (١) ، فإذا كان ذلك كذلك ، وإذا كان اللاويون ، كما يقول فرويد ، هم بطانة موسى من السحرة المصريين الذين وصفهم القرآن بأنهم (أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) (٢) ، ومن ثم فهم ، بجانب المؤمنين من بني إسرائيل ، هم وحدهم الذين لم يعبدوا العجل ، أو قل هم الذين عبدوا رب موسى وهارون عن عقيدة ، لم تضعف حتى أمام وعيد فرعون وتهديده ، ولعمري إن الذين هددهم فرعون ، كما يقول الذكر الحكيم : (فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى) (٣) ، فكان ردهم : (قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا ، إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ، وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى) (٤) ، وفي آية أخرى : (قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ ، إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) (٥) ، هم أنفسهم الذين بقوا على إيمانهم بالله الواحد القهار ، لأن الذين آمنوا من أبناء مصر إنما كان إيمانهم أرسخ من الهرم ، وكان استخفافهم بوعيد فرعون وتهديده بقطع أيديهم وأرجلهم وتصليبهم في جذوع النخل ، إن هؤلاء ليسوا هم الذين ينكثون عهدهم ، ويرتدون عن دينهم ، بمجرد أن يتخلف نبيّهم في ميقات ربه أياما عشرة ، فوق الثلاثين المحددة.
وأما عقاب جريمة كفر بني إسرائيل ، فقد كان أشد وبالا ونكالا من
__________________
(١) باروخ سبينوزا : المرجع السابق ص ٤١٥.
(٢) سورة الشعراء : آية ٥١.
(٣) سورة طه : آية ٧١.
(٤) سورة طه : آية ٧٢ ـ ٧٣.
(٥) سورة الشعراء : آية ٥٠ ـ ٥١.