أحياهم ، فقاموا وعاشوا ، رجلا رجلا ، ينظر بعضهم إلى بعض ، كيف يحيون ، وذلك قول الله تعالى : (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
ويقول ابن كثير : إن أهل الكتاب غلطوا في دعواهم أن هؤلاء رأوا الله عزوجل ، فإن موسى الكليم عليهالسلام قد سأل ذلك فمنع منه ، فكيف يناله هؤلاء السبعون (١) ، وهو يشير في ذلك إلى قوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي ، فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) ، ومن هنا كما يقول النسفي في التفسير ، تعلقت المعتزلة بهذه الآية في نفي الرؤية ، لأنه لو كان جائز الرؤية لما عذبوا بسؤال ما هو جائز الثبوت ، قلنا (أي النسفي) إنما عوقبوا بكفرهم ، لأن قولهم : إنك رأيت الله ، فلن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة كفر منهم ، ولأنهم امتنعوا عن الإيمان بموسى بعد ظهور معجزته ، والإيمان بالأنبياء واجب بعد ظهور معجزاتهم ، ولا يجوز اقتراح الآيات عليهم ، ولأنهم لم يسألوا سؤال استرشاد ، بل سؤال تعنت وعناد.
ثم يقول الإمام النسفي في تفسير آية الأعراف (١٤٣) (قالَ رَبِّ أَرِنِي
__________________
(١) تقول التوراة إن الله أمر موسى أن يصعد إليه هو وهارون وناداب وأبيهو وسبعون من شيوخ إسرائيل ، وأن يسجدوا للرب من بعيد ، ولا يقترب إلا موسى ، ثم صعدوا «ورأوا إله إسرائيل وتحت رجليه شبه صنعة من العقيق الأزرق الشفاف وكذات السماء في النقاوة ، ولكنه لم يمد يده إلى أشراف بني إسرائيل ، فرأوا الله وأكلوا وشربوا» (خروج ٢٤ / ١ ـ ١١) ومن عجب أن التوراة نفسها ، وفي نفس سفر الخروج تقول إن موسى طلب أن يرى الله ، فقال له : «لا تقدر أن ترى وجهي ، لأن الإنسان لا يراني ويعيش» ، ثم أمره أن يقف على صخرة ، وأن الرب حين يجتاز الصخرة سيضع موسى في نقرة من الصخرة ويستره بيده حتى يجتاز «ثم أرفع يدي فتنظر ورائي ، وأما وجهي فلا يرى» (خروج ٣٣ / ٢٠ ـ ٢٣) ، وانظر عن هذا التناقض في روايات التوراة وغيره (محمد بيومي مهران : إسرائيل ٣ / ٢٢٤ ـ ٢٥٢).