إفراط في العصيان وما سوء الأدب بعبارة تقتضي الكفر والاستهانة بالله ورسوله (١) ، على أن الإمام النسفي إنما يعلق على رأي بعض العلماء في تفسير قوله تعالى : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) من حمله على الظاهر ، وقال إنه كفر منهم ، وليس كذلك ، إذ قالوا ذلك اعتقادا وكفروا به لحاربهم موسى ، ولم تكن مقاتلة الجبارين أولى من مقاتلة هؤلاء ، ولكن الوجه فيه أن يقال : فاذهب أنت وربك يعينك على قتالك ، أو وربك أي سيدك وهو أخوك الأكبر هارون ، أو لم يرد به حقيقة الذهاب ، ولكن كما تقول : كلمته فذهب يجيبني ، تريد معنى الإرادة كأنهم قالوا : أريد اقتالهم «فقاتلا إنا هاهنا قاعدون» ماكثون لا نقاتلهم لنصرة دينكم (٢).
وأيا ما كان المعنى ، فمن الواضح تماما ، أنه لم يستجب لموسى عليهالسلام ، إلا أخوه هارون ، فيشكو لربه هؤلاء القوم الفاسقين الخانعين ، («قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) (٣) ، فموسى عليهالسلام يقول ذلك معتذرا إلى الله ، متبرءا من مقالة السفهاء ، فهو لا يملك إلا نفسه ونفس أخيه وهارون ، وكأن موسى لا يثق حتى بالرجلين المذكورين (يشوع وكالب) كل الوثوق ، فلم يذكر إلا النبي المعصوم ، أخاه هارون ، ثم يطلب من الله تعالى : فافصل بيننا وبينهم بأن تحكم لنا بما وعدتنا ، وتحكم عليهم بما وعدتهم ، وهو في معنى الدعاء عليهم ، خاصة وقد وصفهم بالقوم الفاسقين (٤).
ولعل هذا الموقف الجبان من بني إسرائيل مع نبيهم موسى عليه
__________________
(١) صفوة التفاسير ١ / ٣٣٦.
(٢) تفسير النسفي ١ / ٢٧٨ ـ ٢٧٩.
(٣) سورة المائدة : آية ٢٥ ، وانظر تفسير ابن كثير ٣ / ٧٣ ، تفسير المنار ٦ / ٢٧٦ ـ ٢٧٧ ، الجواهر في تفسير القرآن الكريم ٣ / ١٥٤ ، تفسير الطبرسي ٦ / ٦٨ ـ ٦٩.
(٤) تفسير النسفي ١ / ٢٧٩ ، صفوة التفاسير ١ / ٣٣٦.