السلام ، بعد ما رأوا من الآيات كفلق البحر وإغراق عدوهم وإنزال المن والسلوى وتظليل الغمام ونحو ذلك من الأمور العظام ، يذكرنا ـ مع الفارق الكبير ، بموقف المسلمين ، من مهاجرين وأنصار ، من سيدنا ومولانا محمد رسول الله صلىاللهعليهوسلم قبيل بداية القتال في غزوة بدر الكبرى ، وكانت القوة الإسلامية تكاد لا تبلغ ثلث القوة القرشية الكافرة ، عددا وعدة ، عند ما وقف «المقداد بن عمرو الكندي» يقول لسيدنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم : يا رسول الله ، امض لما أراك الله ، فنحن معك ، والله لا نقول لك ، كما قالت بنو إسرائيل لموسى «اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا ، إنا معكما مقاتلون».
ومن هذا المنطق كذلك ، يقف «سعد بن معاذ» ليرد على رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين أراد أن يعرف رأي الأنصار ، «لقد آمنا بك وصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة ، فامضي لما أردت فنحن معك ، فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ، وما تخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقي بنا عدونا غدا ، إنا لصبر في الحرب ، صدق عند اللقاء ، لعل الله يريك منا ما تقربه عينك ، فسر بنا على بركة الله» (١)
وهكذا بهذه الروح العالية ، وبهدى من الله ، وبإرشاد من رسول الله ، وباتباع لكتاب الله وسنة رسوله ، استطاع المسلمون أن يجعلوا راية الإسلام ترفرف عالية على ربوع الشرق ، بعد أن طردوا الساسانيين والرومان من شرقنا
__________________
(١) صحيح البخاري ٥ / ٩٣ ، ٦ / ٦٤ ـ ٦٥ ، مسند الإمام أحمد ١ / ٣٨٩ ـ ٣٩٠ ، ابن هشام : سيرة النبي ١ / ٦١٤ ـ ٦١٥ ، ابن سعد : الطبقات الكبرى ٢ / ٨ ، ابن كثير : السيرة النبوية ٢ / ٣٩٢ ـ ٣٩٣ ، تفسير الطبري ١٠ / ١٨٥ ـ ١٨٦ ، تفسير ابن كثير ٣ / ٧١ ـ ٧٢ ، الواقدي : كتاب المغازي ١ / ٤٨ ـ ٤٩.