ويقرر بعض العلماء أن «التيه» هو الذي حدد بأربعين سنة ، وليس «التحريم» ، فالتحريم مطلق أبدي (١) ، ومن أجل هذا يوقف في القراءة بعد قوله تعالى : (مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ) ثم يبتدأ بقوله تعالى : (أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ) ذلك لأن الرجال الصالحين للحرب ، الذين عصوا موسى ، ماتوا في البرية أثناء السنين الأربعين ، ولم يدخل أحد منهم إلى أرض الموعد ، فكانت محرمة عليهم بإطلاق (٢) ، ويتفق هذا التفسير للنص القرآني الكريم تماما مع نص التوراة الآنف الذكر ، ومن ثم ترى جمهرة العلماء أن جميع الإسرائيليين الذين خرجوا من مصر ، سوف يموتون في البرية ، ولن يروا أرض الميعاد أبدا ، ما عدا يوشع بن نون وكالب بن يفنة (٣).
وجاء في تفسير ابن كثير عن سعيد بن جبير قال : سألت ابن عباس عن قوله : فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض» قال : فتاهوا في الأرض أربعين سنة يصبحون كل يوم يسيرون ليس لهم قرار ، ثم ظلل عليهم الغمام في التيه وأنزل عليهم المن والسلوى ، وهذه قطعة من حديث الفتون ، ثم كانت وفاة هارون عليهالسلام (٤) ثم بعده بمدة ثلاث سنين وفاة
__________________
(١) يرى بعض المفسرين أن التحريم هنا تحريم منع ، لا تحريم تعبد ، كقوله تعالى : (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ) ، ولذا قيل إن الحرمة مؤبدة حتى يموتوا ويدخلها أبناؤهم (تفسير النسفي ١ / ٢٧٩ ـ ٢٨٠ ، تفسير الخازن ٢ / ٣٣).
(٢) عبد الوهاب النجار : قصص الأنبياء ص ٢٢٨ ، تفسير الكشاف ١ / ٦٢٢ ، تفسير الطبرسي ٦ / ٧٠ ، تفسير القرطبي ص ٢١٢٦ ـ ٢١٢٧ ، في ظلال القرآن ٦ / ١٢٩ ، تفسير النسفي ١ / ٢٧٩ ـ ٢٨٠ ، تفسير روح المعاني ٦ / ١٠٩ ، تفسير المنار ٦ / ٢٧٧ ، تاريخ الطبري ١ / ٤٣٦.
(٣) تفسير ابن كثير ٣ / ٧٤ ، تاريخ الطبري ١ / ٤٣٦ ، عدد ١٤ / ٢٦ ـ ٣٠.
(٤) روى الطبري في تفسيره عن الإمام علي كرم الله وجهه في الجنة في تفسير قوله تعالى : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا) ، كان هارون حسن الخلق محببا في بني إسرائيل ، فلما مات دفنه موسى ، قال فلما أتى بني إسرائيل قالوا له أين هارون ، قال مات ، قالوا قتلته ، قال فاختار منهم سبعين رجلا ، قال فلما أتوا القبر قال موسى : أقتلت أو مت ، قال مت ، فأصعقوا ، فقال موسى : رب ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت ، يقولون أنت قتلتهم قال ـ