مع فمك وأعلمك ما تتكلم به ، فقال (أي موسى) : استمع أيها السيد ، أرسل بيد من ترسل ، فحمى غضب الرب على موسى ، وقال : أليس هارون اللاوي أخاك ، أنا أعلم أنه هو يتكلم ، وأيضا هو خارج لاستقبالك ، فتكلمه وتضع الكلمات في فمه ، وأنا أكون مع فمك ومع فمه ، وأعلمكما ما ذا تصنعان ، وهو يكلم الشعب عنك ، وهو يكون لك فما» (١).
وهذا يعني أن الكليم ، عليهالسلام ـ فيما تروي التوراة ـ أنه كان يعاني من التلعثم ، أو العجز عن النطق ، ولذلك كان عليه أن يلتمس مساعدة هارون أخيه في مناقشته المفترضة مع فرعون ، وربما مع بني إسرائيل الذين أشار إليهم النص باسم «الشعب».
وربما إلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله تعالى : (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى ، قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي ، يَفْقَهُوا قَوْلِي ، وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي ، هارُونَ أَخِي ، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ، كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً ، وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً ، إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً ، قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) (٢).
فإذا كان ذلك كذلك ، فربما أمكن القول أن هذه حقيقة تاريخية ، تخدمنا كإضافة مفيدة في توضيح صورة هذا الرجل العظيم ـ سيدنا موسى عليهالسلام ـ ويمكن أن تكون لها دلالة أخرى أكثر أهمية ، فإن القصة قد تدل ـ إذا أخذنا في اعتبارنا عامل التشويه والتحوير ـ على حقيقة أن موسى كان يتكلم لغة أخرى ، ولم يكن قادرا على التفاهم مع شعبه الجديد من الساميين بدون مساعدة مترجم على الأقل في بداية عهده بهم ، وفي هذا دليل على صحة نظرية أن موسى كان مصريا ، أو لغته على الأقل.
__________________
(١) خروج ٤ : ١٠ ـ ١٥.
(٢) سورة طه : آية ٢٤ ـ ٣٦ ، وأنظر : تفسير القرطبي ص ٣٢٣١ ـ ٤٢٣٤.