(وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ، وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) ، وما كان في مقدرة لسان بشر أن يصف خلقا يصنع على عين الله ، إنها لمنزلة ، وإنها لكرامة أن ينال إنسان لحظة من العناية الإلهية ، فكيف بمن يصنع صنعا على عين الله ، إنه بسبب من هذا أطاق موسى أن يتلقى ذلك العنصر العلوي الذي تلقاه ، ثم يقول سبحانه وتعالى بعد ذلك : (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) أي خالصا مستخلصا يمحّضا لي ولرسالتي ودعوتي ، ليس بك شيء من هذه الدنيا ولا لهذه الدنيا ، إنما أنت للمهمة التي صنعتك على عيني لها ، واصطنعتك لتؤديها ، فما لك في نفسك شيء ، وما لأهلك منك شيء ، وما لأحد فيك شيء ، فامض لما صنعتك له (١) ، روى البخاري عن تفسير هذه الآية عن أبي هريرة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : التقى آدم وموسى ، فقال موسى : أنت الذي أشقيت الناس وأخرجتهم من الجنة ، فقال آدم : وأنت الذي اصطفاك الله برسالته ، واصطفاك لنفسه وأنزل عليك التوراة ، قال : نعم ، قال : فوجدته مكتوبا علي قبل أن يخلقني ، قال : نعم ، فحجج آدم موسى» (٢).
ثم إن موسى عليهالسلام ، هو الذي كلمه الله ، ومن ثم فقد اشتهر بأنه كليم الله ، قال تعالى : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ) ، يعني موسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم (٣) هذا وكان من وجاهة موسى عليهالسلام أن شفع في أخيه عند الله ، وسأله أن يكون معه وزيرا ، وذلك في قول الله تعالى : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي ، هارُونَ أَخِي ، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) ، وقول الله تعالى : (وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) ، فأجاب الله دعاءه فقال (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) ، ولهذا قال بعض السلف : ما
__________________
(١) في ظلال القرآن ٤ / ٢٣٣٥ ـ ٢٣٣٦.
(٢) ابن كثير : مختصر التفسير ٢ / ٤٨٢.
(٣) نفس المرجع السابق ١ / ٢٢٦.