يعدّ حقا شيخا للأمة الإسرائيلية ، بل هو الذي كان سببا في وجود اليهود كأمة ، صحيح أن القبائل الإسرائيلية كانت تدرك ـ قبل ظهور موسى ـ أنها تنتمي إلى أرومة واحدة ، ولكنها مع ذلك لم تؤلف شعبا واحدا ، حتى حدث الاستعباد المصري ، ونجح موسى في أن يوحد بين هذه العشائر التي تراخت أواصر القرى بينها ، ويجعلها أمة واحدة ، وذلك بفضل نبوته ومعجزته الكبرى ، فقد كان موسى يؤمن ـ الإيمان كل الإيمان ـ أن معه إلها أكبر من كل آلهة مصر ، معه «يهوه» الذي لا يريد تحرير القبائل العبرية فحسب ، بل يريد كذلك أن يكونوا أمة واحدة ، وأن شعب موسى لا بد أن يعتقد أن معه قوة فرعون وكل جنده ، وقد نجح موسى بفضل عميق إيمانه بدينه الجديد في إقناع اليهود بذلك ، رغم كل المتاعب التي وقفت عقبة كئود في طريقه ، والتي لم تخفها أسفار التوراة (١).
وهكذا استطاع موسى أن ينشئ من الأسباط الاثنى عشر ، اتحادا فيدراليا منذ أول خطوة من رحلة الخروج ، محددا لكل سبط مهمته ومسئوليته في المجموعة ، وكان لعشيرة موسى ـ أي سبط اللاويين ـ الزعامة الدينية والاجتماعية على سائر الأسباط ، وكان لهذا المجتمع مجلس تشريعي ، يقابل ما يسمى أحيانا «مجلس الشيوخ» ، ويتكون من السبعين رجلا الذين اختارهم موسى ـ والذين يرى فيهم فرويد السحرة المصريين الذي آمنوا به ـ وكان هو نفسه رئيس المجلس ، وهذا التنظيم ما يزال يحاكى في المجتمعات اليهودية ، ويوكل إليه ـ كما كان قديما ـ أمر تطبيق الشريعة الموسوية وتنفيذها وتفسيرها والإفتاء بمقتضاها في الحالات المشكلة (٢).
ومع هذا فإن هذا العمل السياسي الضخم الذي بدأه موسى ، عليه
__________________
(١) تيودور روبنسون : المرجع السابق ص ١٠٥.
(٢) حسن ظاظا : الساميون ولغاتهم ـ الاسكندرية ١٩٧١ ـ ص ٧٦ ـ ٧٧ وكذا,p. ٣١٠ ، ١٧٥ ..A.Lods ,op ـ cit