مصر ، ومرة رابعة نرى التوراة تظهر لنا الإسرائيليين ، وقد انقسموا على أنفسهم ففريق يرضى بالخروج من مصر ، بينما يرفضه آخرون ، وإن كانت الغلبة في النهاية للأولين على الآخرين (١).
ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن القرآن الكريم ، إنما قد انفرد ، من دون التوراة ، بعدة أمور في قصة موسى عليهالسلام ، منها (أولا) أن القرآن قد انفرد من دون التوراة ، بأن إرادة الله ، ولا راد لإرادته ، قد شاءت أن يقع موسى من قلب امرأة فرعون ، موقع الحب والحدب والإشفاق ، بل إنها لتقول لفرعون (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ ، عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) (٢) ، وتشاء إرادة الله ، مرة أخرى ، أن يقتنع فرعون بمقالة زوجته ، فلا يقتل الطفل النبي ، ومنها (ثانيا) أن القرآن قد انفرد من دون التوراة ، بالإشارة إلى أن موسى قد عاف المراضع جميعا ، من غير أمه ، وهنا تتقدم أخته فتعرض على آل فرعون أن تدعو لهم امرأة ترضعه وتكفله ، وتكون له ناصحة مشفقة ، ويقبل آل فرعون عرضها ، ويبعثوا في طلب الظئر ، وسرعان ما تجيء بأمها ، دون أن تشعرهم بأن أمها أمه ، وأنه أخوها ، ويقبل موسى على ثدي أمه ، ويعيش معها فترة حضانته ، قال تعالى : (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ ، فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ ، وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٣).
ومنها (ثالثا) أن القرآن الكريم قد انفرد من دون التوراة ، بأن القوم حين استقر رأيهم على القصاص من موسى جاءه ناصح أمين ، ربما كان من
__________________
(١) سورة الشعراء آية ٥٢ ، وانظر : طه : آية ٧٧ ، خروج ٦ / ١ ، ١١ / ١ ـ ٢ ، ١٢ / ٢٩ ـ ٣٩ ، ١٣ / ١٧ ـ ١٨ ، عدد ١٤ / ٣ ـ ٤.
(٢) سورة القصص : آية ٩.
(٣) سورة القصص : آية ١٢ ـ ١٣.