المتصلين بفرعون ، يخبره بالأمر ، ويشير عليه بالخروج من مصر ، قال تعالى : (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) (١) ، ومنها (رابعا) أن القرآن قد انفرد ، من دون التوراة ، بالإشارة إلى ذلك الجدل الذي شق واستطال ، ذكّر فيه فرعون موسى عليهالسلام بتربيته في القصر الملكي ، وكيف أنه عاش بينهم من عمره سنين عددا ، وكيف فعل فعلته تلك ، يعني قتل موسى لمصري ثم فراره إلى مدين (قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً ، وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ ، وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) (٢).
ومنها (خامسا) أن القرآن الكريم انفرد من دون التوراة بالإشارات مرات ، وفي وضع تام ، إلى ألوهية الفرعون المزعومة ، والتي كانت موضع جدل شديد بين النبي الكريم والملك الفرعون ، بل هي الصخرة التي تحطمت عليها كل الآمال في أن يؤمن فرعون بموسى ودعوته ، ويتخلى عن مزاعمه الكذوب ، ويؤمن بالله رب العالمين ، ولعل مما يزيد الأمر أهمية أننا نكاد لا نعرف دعوة من دعوات الأنبياء الكرام البررة ، يتعرض صاحبها ، كما تعرض موسى ، لزعم كذوب ممن أرسل إليه ، أنه إله للناس ، بل إن الفرعون إنما يهدد النبي الكريم نفسه : (لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) ، ثم يعلن للناس عامة في مصر (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) ، وعند ما يتقدم له موسى بآية كبرى على نبوته ، فما كان منه إلا أن يرفض الدعوة كلها (ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى فَحَشَرَ فَنادى فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) (٣) ، ومن عجب أن التوراة تعكس الأمر ، فتجعل موسى إلها لفرعون ، وهارون نبيا لموسى : «فقال الرب لموسى أنظر : أنا جعلتك إلها لفرعون ، وهارون
__________________
(١) سورة القصص : آية ٢٠.
(٢) سورة الشعراء : آية ١٨ ـ ١٩.
(٣) سورة الشعراء : آية ٢٩ ، سورة القصص : آية ٣٨ ، سورة النازعات : آية ٢٢ ـ ٢٤.