نبأ المعجزة الباهرة التي قهرت المهرة من السحرة ، غير أن قتل موسى إنما كان جد صعب المنال ، فهناك معارضة قوية تقف في وجه فرعون وتحول بينه وبين قتل موسى ، ولعلنا نستطيع أن نلمس هذه المعارضة فيما حكاه القرآن عن فرعون ، حيث يقول : (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ) ، فإن كلمة «ذروني» تفيد أنه كان هناك من يعوقونه أو يشيرون عليه بغير ما كان يرى ، بل إن هناك دليلا من القرآن يفيد ذلك ، ذلك لأن فرعون عند ما ضاق ذرعا بموسى ودعوته ، وعقد مع الملأ مؤتمرا للفتك به ، فوجئ بواحد من هذا الملأ ينهض لمعارضة هذه الفكرة ، ويقول : (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ ، وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ ، وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ، وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ، يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ إِنْ جاءَنا) (١) ، وهال فرعون ما اسمع فأخذته العزة بالإثم ، ونفخ الشيطان في روحه ، فقال : (ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ) ، وعاد الرجل يعقب على كلام فرعون ، ويحذره من غضب الله ، ثم يعلن أنه أبرأ ذمته (فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) (٢).
ومنها (عاشرا) أن القرآن قد انفرد من دون التوراة ، بإخبارنا أن الفرعون قد أنجى ببدنه ، ليكون لمن خلفه آية ، قال تعالى : (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ، وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ) ، ولم تكن الآية لمن خلفه جيلا أو جيلين ، بل بقيت آية للعشرات الكثيرة من الأجيال والمئات الكثيرة من السنين ، بما مكن رب العرش لأهل هذا المصر
__________________
(١) سورة الأعراف : آية ١٢٧ ـ ١٢٩.
(٢) سورة غافر : آية ٢٣ ـ ٤٤.