ولعل من الأهمية بمكان الإشارة هنا إلى أنه قد مرت بنا رؤى ثلاث ، رؤيا يوسف ، ورؤيا صاحب السجن ، ورؤيا الملك ، وطلب تأويلها في كل مرة ، والاهتمام بها يعطينا صورة من جو العصر كله في مصر وفي خارج مصر ، وأن الهبة التي وهبها يوسف كانت من روح العصر وجوه ، على ما نعهد في معجزات الأنبياء ، فهل كانت هذه هي معجزة يوسف عليهالسلام (١)؟ ربما كان الأمر كذلك.
وعلى أي حال ، فلقد طلب الملك أن يأتوا بيوسف من السجن ، غير أن الصديق إنما يرفض أن يغادر سجنه حتى تظهر براءته للناس جميعا ، مما ألصق به من تهمة هو منها براء ، قال السدي ، قال ابن عباس : لو خرج يوسف يومئذ قبل أن يعلم الملك بشأنه ما زالت في نفس العزيز منه حاجة يقول : هذا الذي راود امرأتي ، فلما رجع الرسول إلى الملك من عند يوسف جمع الملك أولئك النسوة (٢) فقال لهن : (ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ ، قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ، ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ ، وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٣).
وهكذا تثبت الأحداث السابقة جميعا عصمة النّبي الكريم سيدنا يوسف عليهالسلام وبراءته من تلك التهمة التي نسبها إليه من لا يعرف قدر النبوة ولا عظمة الرسالة ولا صفات الأنبياء الكرام البررة ، فضلا عن أن يوسف نبيّ وجد أبيه نبيّ ، فهو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهمالسلام ، هذا وقد قدم لنا الأستاذ الصابوني وجوها عشرة على عصمة يوسف وبراءته ،
__________________
(١) في ظلال القرآن ٤ / ١٩٩٣ ـ ١٩٩٤.
(٢) تاريخ الطبري ١ / ٣٤٦.
(٣) سورة يوسف : آية ٥١ ـ ٥٣.