هذا فضلا عن أن إطلاق اسم «جوشن» على منطقة بجنوب فلسطين ، ربما كان إحياء لذكرى مصر التي ترسبت في نفوس القوم ، دون أن يجدوا لها فكاكا ، وقد ظهر ذلك الإسم على مدينة في جبال يهوذا كذلك ، ربما لأن هذه المنطقة إنما كانت خصبة بدرجة تشبه في ذلك منطقة جوشن في مصر ، كما أن الاضطهاد الذي تحدثت عنه التوراة قد ارتبط ببناء مدينتي رعمسيس وفيثوم ، وكانت الأولى في موقع على الأقل ليس ببعيد عن وادي طميلات ، أما الثانية «فيثوم» (بيثوم بر ـ أتوم) ، فهي بالتأكيد في هذا الوادي ، كما أن خروج بني إسرائيل إنما تمّ من هذه المنطقة (من رعمسيس إلى سكوت ... الخ) ، وليس هناك من دليل ـ أو حتى مجرد إشارة ـ على أن الإسرائيليين قد نقلوا من منطقة استقرارهم الأولى على أيام يوسف الصديق ، وحتى الخروج على أيام موسى الكليم ، عليهماالسلام.
وأيا ما كان الأمر ، فقد دخل الإسرائيليون مصر ، واستقروا في «أرض جوشن» ، وإن كان بعض الباحثين إنما يحاول أن يتشكك في ذلك كله ، وأن ينفي دخول العبرانيين مصر من أساس ، معتمدين في ذلك على عدة أسباب ، منها (أولا) أنه لا توجد وثائق غير إسرائيلية تؤكد صحة التقاليد العبرية الخاصة بإقامة الإسرائيليين في مصر وخروجهم منها ، وإن كان بعض المفسرين قد بحثوا جادين لإعطاء النصوص والتفسيرات المطلوبة.
ومنها (ثانيا) أن النقوش المصرية المختلفة تسجل دخول الأسيويين مصر ، ولكن ليس واحدا منها يشير إلى دخول بني إسرائيل أرض الفراعين ، وإن كانت قد أشارت إلى العمال الأسيويين الذين كانوا يفدون إلى مصر ، ويستخدمهم الفراعين في أعمال البناء ، وكان يطلق عليهم «عبر» (,P.R) ، وتقرأ «عابيرو» (Apuriu) ، وقد استدل عليهم كثير من علماء المصريات ، مثل «شاباس» ، وعلماء العبرية ـ من أمثال هومل وسكنر ودرايفر وكريجلز ـ الذين وحوهم بالعبريين ، إلا أن ذلك لم تثبت صحته بسبب الصعوبات