ويضيف «كيلر» إلى ذلك ، أن قصة بيع الإسماعيليين للصديق عليهالسلام إنما هي جد مقبولة ، ذلك لأن القوم إنما كانوا يترددون على مصر لبيع التوابل والعطور التي كانت تستخدم في الخدمة الدينية ، ذلك لأن هذه الأخشاب العجيبة ذات الرائحة الزكية إنما كانت تحرق في المعابد ، ويستخدمها الأطباء في إبراء المرضى ، والكهان في تحنيط أجساد الموتى من النبلاء (١) ، بل إن هناك ما يشير إلى أن هذه التجارة قد استمرت إلى زمن متأخر جدا بعد هذا الحادث ، فهناك كتابة مدونة بخط المسند في الجيزة ، ذهب «أدولف جرومان» إلى أنها إنما ترجع إلى عام (٢٦٤ ـ ٢٦٣ ق. م) (٢) ـ وربما إلى ما بعد عام ٢٦١ ق. م ، أو حتى إلى عام ١٥٩ ق. م ، فيما يرى بعض الباحثين (٣) ـ وتشير إلى وجود جالية معينة كانت تقيم في مصر ، وتتجر في الطيب والبخور ، ثم «فوطيفار» وهو اسم رئيس الشرطة المصري الذي اشترى يوسف الصديق ، وهو اسم وطني تماما ، فهو يعني في المصرية القديمة (با ـ دي ـ بارع) بمعنى «عطية الإله رع» (٤).
وهكذا يبدو لنا بوضوح أن الروايات الإسرائيلية التي تتحدث عن إقامة القوم في مصر إنما هي روايات جد صحيحة ، وأنه ليس من الغريب أن تستضيف أرض الكنانة على حدودها الشرقية بعضا من البدو والرعاة ، فذلك أمر عهدناه كثيرا طوال تاريخ مصر على أيام الفراعين ، وإن كان يختلف في فترات ضعفها عنه في فترات قوتها.
ومن النوع الأول ما حدث في أوائل عصر الثورة الاجتماعية الأولى ، حين ضعفت البلاد من الإجهاد الداخلي الذي أصابها في أعقاب الدولة
__________________
(١) W.Keller ,op ـ cit ,p. ١٠٣ ـ ١٠٣
(٢) A.Grohmann ,Arabian ,Munchen , ٢٦.p ، ١٩٦٣
(٣) فؤاد حسنين : التاريخ العربي القديم ص ٢٦٩ ، وكذا.BASOR. ٧.p ، ١٩٣٩ ، ٧٣
(٤) W.Keller ,The Bible As History , ١٠٣.p ، ١٩٦٧