انفعل : ولا يكون متعدّيا أبدا ، وإنما يجيء في كلام العرب للمطاوعة ، وقد تقدّم تفسير المطاوعة ، والمطاوعة فيها تكون بوجهين. إمّا بأن تريد من الشيء أمرا ما ، فتبلغه بأن يفعل ما تريده ، إن كان ممّا يصحّ منه الفعل ، وإمّا بأن يصير إلى مثل حال الفاعل الذي يصحّ منه الفعل ، وإن كان لا يصحّ الفعل منه ، فأمّا ما يطاوع ، بأن يفعل فعلا تريده منه ، فنحو قولك «أطلقته فانطلق» و «صرفته فانصرف» ؛ ألا ترى أنه هو الذي فعل الانطلاق والانصراف بنفسه ، عند إرادتك إياهما منه ، أو بعثك إيّاه عليهما ، وأمّا ما تبلغ منه مرادك ، بأن يصير إلى مثل حال الفاعل الذي يصحّ منه الفعل ، فنحو قولك «قطعت الحبل فانقطع» و «كسرت الحبّ فانكسر» ؛ ألا ترى أنّ الحبل والحبّ لا يصحّ منهما الفعل ؛ لأنه لا قدرة لهما ، فإنما أردت ذلك منهما ، فبلغته بما أحدثته أنت فيهما ، لا أنهما توليّا الفعل ؛ لأنّ الفعل لا يصحّ من مثلهما ، ومن قلك قوله : لا خطوتي تتعاطى غير موضعها ولا يدي في حميت السّمن تندخل ، هو مطاوع «أدخلته» ، وهو من باب «انقطع الحبل» ؛ لأنّ اليد لا تكون فاعلة ، إنما هي آلة يفعل بها.
واعلم أنّ «انفعل» إنما أصله من الثلاثيّ ، ثم تلحقه الزّيادتان من أوّله ، نحو «قطعته فانقطع» و «سرحته فانسرح» ، ولا يكاد يكون «فعل» منه إلّا متعدّيا حتى تمكن المطاوعة والانفعال ؛ ألا ترى أنّ «قطعته» و «كسرته» متعدّيان ، قال أبو عليّ : وقد جاء «فعل» منه غير متعدّ ، قال الشاعر :
وكم منزل ، لولاي : طحت كما هوى |
|
بأجرامه من قلّة النّيق منهوي (١) |
وإنما هو مطاوع «هوى» إذا سقط ، وهو غير متعدّ ، كما ترى.
وجاء في هذه القصيدة «منغوي». قال أبو عليّ : إنما بنى من «غوى» و «هوى» منفعلا ، بضرورة الشعر.
ويجوز عندي أن يكون «منغو» و «منهو» مطاوعين لـ «أغويته» و «أهويته» ، فيكون مثل «أدخلته فاندخل» و «أطلقته فانطلق». ولا يكونان ، على هذا ، شاذّين.
افتعل : تكون متعدّية ، وغير متعدّية. فالمتعدّية نحو «اكتسب» و «اقتلع». وغير المتعدّية نحو «افتقر» و «استقى». ولها ستّة معان :
أحدهما : المطاوعة ، فتكون إذ ذاك بمعنى «انفعل» وذلك قليل فيها ، نحو «شويته
__________________
(١) البيت من البحر الطويل ، ليزيد بن الحكم ، في كتاب سيبويه ٢ / ٣٧٤ ، والعقد الفريد ٢ / ٢٩٥ ، والأمالي في لغة العرب ١ / ٦٨ ، والأغاني ١٢ / ٣٤٤ ، والخصائص لابن جني ٢ / ٢٥٩.