تفقأ فيها العيون. مرّة نجنق ، ومرّة نرشق». فقوله «نجنق» دليل على أنّ الميم زائدة ، إذ لو كانت أصليّة لوجب أن يقول «نمجنق». وحكى الفرّاء : «جنقوهم بالمجانيق»؟.
فالجواب : أنّ الكلمة أعجميّة ، والعرب قد تخلّط في اشتقاقها من الأعجمية ، لأنها ليست من كلامهم ؛ ألا ترى أنّ قول الراجز :
هل تعرف الدار لأمّ الخزرج |
|
منها ، فظلت اليوم كالمزرّج (١) |
أراد : سكران كالذي يشرب الزّرجون. وكان القياس أن يقول «كالمزرجن» ، لأنّ نون «زرجون» أصليّة. لكنه حذف النون ، لأنّ الكلمة أعجميّة ، والعرب قد تخلّط في اشتقاقها من الأعجميّ ، كما تقدّم.
فإن قيل : فهلّا قلتم إنّ قولهم في الجمع «مجانيق» بحذف النون من قبيل ما خلّط فيه؟.
فالجواب : أنّ قولهم «مجانيق» يؤدّي إلى أن يكون وزن الكلمة «فنعليلا» كما تقدّم ، وهو من أبينية كلامهم. وقولهم «نجنق» و «جنقوهم» يؤدّي إلى كون الميم والنون زائدتين ، فيكون وزن الكلمة «منفعيلا» ، والزيادتان لا تلحقان الأسماء من أوّلها ، إلّا أن تكون جارية على الأفعال ، كما تقدّم.
والذي يدلّ على أصالة الميم في «منجنون» أنه لا يخلو أن تقدّر الميم والنون زائدتين ، أو أصليّتين ، أو إحداهما زائدة والأخرى أصليّة. فجعلهما زائدتين فاسد ، لما تبيّن من أنه لا يلحق الكلمة زيادتان من أوّلها إلّا الأفعال والأسماء الجارية عليها ، و «منجنون» ليس من قبيل الأسماء الجارية على الأفعال. وجعل إحداهما زائدة والأخرى أصليّة فاسد ، لأنك إن قدّرت أنّ الميم هي الزائدة كان وزن الكلمة «مفعلولا» ، وذلك بناء غير موجود في كلامهم. وإن قدّرت أنّ النون هي الزائدة كان فاسدا ، بدليل قولهم «مناجين» في الجمع ، بإثبات النون الأولى. فدلّ ذلك على أنهما أصلان ، ويكون وزن الكلمة «فعللولا» ، فيكون نحو «حندقوق» (٢).
* * *
__________________
(١) الرجز ، بلا نسبة في الخصائص لابن جني ، والمنصف ١ / ١٤٨ ، واللسان (زرج).
(٢) الحندقوق : بقلة ، والرجل الطويل المضطرب ، لسان العرب ، مادة (حندق).