وزعم أبو الحسن الأخفش أنه لا يجوز قلب الواو همزة ، إلّا إذا اكتنف الجمع واوان ، نحو «أوّل وأوائل». فأمّا إن اكتنفها ياءان ، أو واو وياء ، فلا يجوز عنده قلب حرف العلّة الذي بعد الألف. بل يقول في جمع «فوعل» من البيع : «بوايع» ، وفي جمع «بيّن» : «بياين» ، وفي جمع «سيّد» المتقدّم في فصل الواو : «سياود». وحجّته على ذلك أنّ الواوين أثقل من الياءين ، ومن الواو والياء ، والقلب لم يسمع إلّا في الواوين ، نحو قولهم في جمع «أوّل» : «أوائل» ، فلا يقاس عليه ما ليس من رتبته ، من الثقل.
وهذا الذي ذهب إليه فاسد ، بدليل ما حكاه المازنيّ عن الأصمعيّ ، من قولهم في جمع «عيّل» : «عيائل» بالهمزة ، ولم تكتنف ألف الجمع واوان. فدل ذلك على أنّ العرب استثقلت في هذا وأمثاله اكتناف ألف الجمع حرفا علّة.
فإن قال قائل : فلعل قولهم في جمع «عيّل» : «عيائل» شاذّ ، لذلك لم يسمع من ذلك إلّا هذه اللفظة ، فلا ينبغي أن يقاس عليه؟.
فالجواب : أنه ، وإن لم يسمع منه إلّا هذه اللفظة ، لا ينبغي أن يعتقد فيه الشذوذ ، لأنه لم يرد له نظير غير مهموز ، فيجعل الهمز في هذا شذوذا. بل جميع ما أتى من هذا النوع من هذا اللفظ ، وهو مهموز ، فكان جميع ما أتى من هذا الباب مهموزا ، إذ هذا اللفظ هو جميع ما أتى ، من هذا الباب. وقد جعل أبو الحسن مثل هذا أصلا ، يقاس عليه. وذلك أنه قال في النسب إلى «فعولة» : «فعليّ» ، نحو «ركبيّ» في النسب إلى «ركوبة» ، قياسا على قولهم ، في النسب إلى «شنوءة» «شنئيّ». ثم أورد اعتراضا على نفسه ، فقال : فإن قال قائل : فإن قولهم «شنئيّ» شاذّ ، فلا ينبغي أن يقاس عليه ، إذ لم يجىء غيره؟.
فالجواب : أنه جميع ما أتى ، من هذا النوع. فجعله ، لمّا لم يأت غيره مخالفا له ولا موافقا ، أصلا يقاس عليه.
فهذا جميع ما تبدل فيه الياء همزة ، باطّراد. فأمّا مثل «بائع» و «رداء» فإنّ الهمزة فيهما وأمثالهما بدل من ألف ، وإن كان الأصل «بايع» و «رداي» ، كما تقدّم.
وأبدلت منها ، من غير اطّراد ، في «أدي» وأصله «يدي» ، فردّ اللّام ، ثم أبدلت الياء همزة. حكي من كلامهم «قطع الله أديه». وقالوا «في أسنانه ألل» وأصله «يلل» (١) ، فأبدلوا
__________________
(١) اليلل : قصر الأسنان والتزاقها وإقبالها إلى داخل الفم ، لسان العرب ، مادة (يلل).