وإنما كان الشاذّ من «فعل يفعل» فيما فاؤه واو أكثر من الشاذّ منه في الصحيح ، لأنّه شذوذ يؤدّي إلى تخفيف اللفظ بالحذف.
وزعم الفرّاء أنّ موجب الحذف إنما هو التّعدّي نحو «يعد» و «يزن» ، وموجب الإثبات إنما هو عدم التعدّي نحو «يوجل» و «يوحل».
وهذا الذي ذهب إليه فاسد ، لأنه خارج عن القياس ، ألا ترى أنّ الحذف إنما القياس فيه أن يكون لأجل الثقل. وأيضا فإنهم قالوا : «وأل» زيد مما كان يحذره يئل و «وبل المطر يبل» و «قدت النّار تقد» و «وحر صدره يحر» و «وغر يغر». فحذفوا الواو في جميع ذلك ، وإن كان غير متعدّ ، لمّا وقعت بين ياء وكسرة.
وإن وقعت الواو فاء في فعل على وزن «فعل» فإن مضارعه لا تحذف منه الواو. نحو «يوضؤ» و «يوطؤ» ، لما ذكرنا من أنّ الواو بين الياء ، والضّمّة أخفّ منها بين الياء والكسرة.
وما عدا ذلك ، مما تقع الواو فيه فاء ، من اسم أو فعل على ثلاثة أحرف أو أزيد ، فإنها لا تقلب ولا تحذف ، إلّا أن تقع :
ساكنة بعد كسرة ، فإنها تقلب ياء ، نحو «ميزان» و «ميعاد». الأصل فيهما «موزان» و «موعاد» ، لأنهما من الوزن والوعد ، فقلبت الواو ياء لسكونها ، وانكسار ما قبلها.
أو ساكنة بعد فتحة في مضارع «افتعل» ، فإنها تقلب ألفا نحو «يا تعد». أصله «يوتعد» ، لأنه من الوعد ، فقلبت الواو ألفا ؛ لأنها تقلب ياء بعد الكسرة في «ايتعد» ، وتثبت بعد الضّمة في «موتعد». فلمّا كانت بعد الكسرة والضمّة على حسبهما كانت بعد الفتحة على حسبها ، فقلبت ألفا بالحمل.
وأما الياء إذا وقعت فاء فلا تقلب ، إلّا أن تقع ساكنة بعد ضمّة فإنها تقلب واوا ، نحو «موقن» ، أصله «ميقن» ، لأنه من اليقين ، فقلبت واوا لسكونها وانضمام ما قبلها أو تقع ساكنة بعد فتحة في مضارع «افتعل» نحو «ياتئس» من اليأس «ييتئس» ، فقلبت الياء ألفا ، للعلّة التي قلبت الواو في «ياتعد» ألفا. أعني : الحمل على «ايتأس» و «موتئس».
ولا تحذف أصلا إلّا في لفظتين شذّتا وهما «يبس» و «يئس» في مضارع «يبس» و «يئس». وأصلهما «ييبس» و «ييئس» ، فحذفت الياء لوقوعها بين ياء وكسرة ، كما حذفت الواو من «يعد» ، تشبيها بها في أنهما حرفا علّة ، وقد وقعا بين ياء وكسرة وإنما لم تحذف الياء باطّراد ، إذا وقعت بين ياء وكسرة ؛ لأنها أخفّ من الواو.