وأما كون الزيادة لمعنى فنحو حروف المضارعة ، وياء التصغير ، وأمثال ذلك ، فإنه بمجرّد وجود الحرف ، يعطي معنى ، ينبغي أن يجعل زائدا ؛ لأنّه لم يوجد قطّ حرف أصليّ ، في الكلمة ، يعطي معنى ، على أنّ هذا الدليل قد يمكن أن يستغنى عنه بالاشتقاق والتصريف ؛ إذ ما من كلمة ، فيها حرف معنى إلّا ولها اشتقاق أو تصريف ، يعلم به حروفها الأصول من غيرها. لكن مع ذلك قد يعلم كون الحرف زائدا بكونه لمعنى ، من غير نظر إلى اشتقاقه وتصريفه ، فلذلك أوردناه في الأدلّة الموصلة إلى معرفة الزيادة من غيرها.
وأما النظير فأن يكون في اللفظ حرف ، لا يمكن حمله إلّا على أنه زائد ، ثم يسمع في ذلك اللفظ لغة أخرى ، يحتمل ذلك الحرف فيها أن يحمل على الأصالة ، وعلى الزيادة ، فيقضى عليه بالزيادة ، لثبوت زيادته في اللغة الأخرى ، التي هي نظيرة هذه ، وذلك نحو «تتفل» (١) ، فإنّ فيه لغتين : فتح التاء الأولى وضمّ الفاء ، وضمّها مع الفاء ، فمن فتح التاء فلا يمكن أن تكون عنده إلّا زائدة ؛ إذ لو كانت أصليّة لكان وزن الكلمة «فعللا» ، بضم اللام الأولى ، ولم يرد مثل ذلك في كلامهم ، ومن ضمّ التاء أمكن أن تكون عنده أصليّة ؛ لأنّه قد وجد في كلامهم مثل «فعلل» ، بضمّ الفاء واللام ، نحو «برثن» ، إلّا أنه لا يقضى عليها إلّا بالزيادة ، لثبوت زيادتها في لغة من فتح التاء.
وأما الخروج عن النظير فأن يكون الحرف إن قدّر زائدا كان للكلمة التي يكون فيها نظير ، وإن قدّر أصلا لم يكن لها نظير ، أو بالعكس ، فإنه إذ ذاك ، ينبغي أن يحمل على ما لا يؤدّي إلى خروجها عن النظير ، وذلك نحو «غزويت» (٢) ، فإنّا إن جعلنا تاءه أصليّة كان وزنه «فعويلا» ، وليس في كلام العرب «فعويل» ، فيكون «غزويت» مثله. وإن جعلناها زائدة كان وزنه «فعليتا» ، وهو موجود في كلامهم ، نحو «عفريت». فقضينا ، من أجل ذلك ، على زيادة التاء.
وأما الدخول في أوسع البابين ، عند لزوم الخروج عن النظير ، فأن يكون في اللفظ حرف واحد ، من حروف الزيادة ، إن جعلته زائدا أو أصليّا خرجت إلى بناء ، لم يثبت في كلامهم فينبغي أن يحمل ما جاء من هذا على أنّ ذلك الحرف فيه زائد ؛ لأنّ أبنية الأصول قليلة ، وأبنية المزيد كثيرة منتشرة ، فحمله على الباب الأوسع أولى ، وذلك نحو «كنهبل» (٣) ؛ ألا ترى أنك إن جعلت نونه أصليّة كان وزنه «فعلّلا» ، وليس ذلك من أبنية
__________________
(١) التتفل : ولد الثعلب ، لسان العرب ، مادة (تفل).
(٢) الغزويت : بالعين والغين ، القصير ، والداهية ، (لسان العرب) مادة (عزا).
(٣) الكنهبل : شجر عظام وقال ابن دريد : هو القصير. تاج العروس للزبيدي ، مادة (كهبل).