فالجواب : أنّ الذي منع من ذلك أنه ليس من أبنية كلامهم «فعّل». فأما «شلّم» (١) و «بذّر» (٢) و «بقّم (٣) فأعجميات».
وقد مدّ بعضهم فقال «العوّاء» وهو قليل ، ويحتمل ذلك ضربين من الوزن.
أحدهما : أن يكون «فعلاء» والأصل «عوياء» ، فقلبت الياء واوا وأدغمت الواو في الواو. وإنما قلبوا الياء واوا في «فعلاء» الممدودة ، وليس قياسها ذلك ، لأن الأصل والأكثر فيه القصر. وكأنهم لمّا مدّوه من قصر أبقوا الواو فيه المنقلبة عن الياء ، تنبيها على أنّ المدّ فيه عارض ، كما صحّ «عور» لأنه في معنى «اعورّ». ويكون قلبهم الياء واوا فيه شذوذا كما قالوا «عوى الكلب عوّة» ، والأصل «عوية» فقلبت الياء واوا. حكى ذلك ابن مقسم عن ثعلب.
والآخر : أن يكون «فعّالا» ، وكأنه في الأصل «عوّاي» ، ثم قلبت الياء همزة لتطرّفها ووقوعها بعد ألف زائدة ، فصار «عوّاء». وكأنه ذهب به إلى معنى المنزل ولذلك ذكّر ، وذهب بـ «عوّى» المقصورة إلى معنى المنزلة ولذلك أنّثت.
وأما ريّا التي يراد بها الرائحة ، من قوله :
إذا التفتت نحوي تضوّع ريحها |
|
نسيم الصّبا جاءت بريّا القرنفل (٤) |
فصفة من معنى «رويت». وكان الأصل فيه «رائحة ريّا» أي : ممتلئة طيبا. ولو كانت اسما لكانت «روّى» ، لأنّ أصلها «رويا» ، فكنت تبدل الياء واوا كما فعلت ذلك في «عوّى» ، ثم تدغم الواو في الواو. فلمّا لم يقولوا ذلك علمنا أنها صفة أصلها «رويا» فاجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون ، فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء.
فإن قيل : فهلّا ادّعي أنّ «ريّا» اسم وأنها في الأصل «رييا» ، فيكون من باب ما عينه ولامه ياء ، ثم قلبت اللّام واوا فصار «ريوى» ، ثم اجتمع ياء وواو وسبقت إحداهما بالسكون ، فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء؟.
__________________
(١) شلّم : اسم بيت المقدس. انظر القاموس المحيط للفيروز آبادي ، مادة (شلم).
(٢) بذّر : ماء معروف بمكة. انظر لسان العرب لابن منظور ، مادة (بذر).
(٣) البقّم : صبغ معروف. انظر لسان العرب لابن منظور ، مادة (بقم).
(٤) البيت من البحر الطويل ، وهو لامرئ القيس في ديوانه ص ١٥ ، وخزانة الأدب للبغدادي ٣ / ١٦٠ ، ورصف المباني للمالقي ص ٣١٢ ، والمنصف لابن جني ٣ / ٢٠ ، ولسان العرب لابن منظور ، مادة (قرنفل) ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر للسيوطي ١ / ٣٤٣ ، ومغني اللبيب لابن هشام ٢ / ٦١٧.