وأما الخليل فيزعم أنه لما اعتلّت العين سكّنت ، وسكّنت اللّام أيضا كذلك بعدها بالإعلال ، فالتقى ساكنان ، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين.
فإن قيل : فلأيّ شيء لم يردّوا المحذوف في المضارع ، فيقولوا «يستحيّ» ، ويرفعوا الياء التي هي لام ، ويدغموا فيها العين؟.
فالجواب : أنّ الذي منع من ذلك أنهم لو فعلوه لرفعوا ما لا يرتفع مثله في كلامهم ، لأنّ الأفعال المضارعة إذا كان آخرها معتلّا لم يدخلها الرفع في شيء من الكلام. [فأما قول الشاعر :
وكأنّها ، بين النّساء ، سبيكة |
|
تمشي بسدّة بيتها فتعيّ (١) |
فبيت شاذّ ، وقد طعن على قائله.
وردّ المازنيّ مذهب الخليل ، بقول العرب في التثنية «استحيا». قال : فلو كان الحذف لالتقاء الساكنين لوجب الردّ هنا ، لأنّ اللّام قد تحرّكت لأجل التثنية ، فكانوا يقولون «استحايا». فلمّا لم يقولوا ذلك دلّ على أنّ الحذف تخفيف.
ولقائل أن يقول : لمّا حذف عين «استحى» أشبه «افتعل» ، فصرّف كتصريف ما أشبهه. ومذهب المازنيّ أقوى.
وجمع ما يجري على «استحى» مثله في اعتلال عينه ، من اسم فاعل ، واسم مفعول ، ومضارع نحو «استحى يستحي فهو مستح ومستحى منه». قال الشاعر :
وإني لأستحيي ، وفي الحقّ مستحى |
|
إذا جاء باغي العرف ، أن أتنكّرا (٢) |
ولم يستعملوا الفعل معتلّ العين إلّا بالزيادة ، فلا يقال «حاي» ، ولا «يحيّ». فأما قول الشاعر :
وكأنّها ، بين النّساء ، سبيكة |
|
تمشي ، بسدّة بيتها ، فتعيّ |
فبيت شاذّ ، وقد طعن على قائله.
__________________
(١) البيت من البحر الكامل ، وهو بلا نسبة في شرح الأشموني ٣ / ٨٩٣ ، والمحتسب لابن جني ٢ / ٢٦٩ ، والمنصف لابن جني ٢ / ٢٠٦ ، وهمع الهوامع للسيوطي ١ / ٥٣ ، ولسان العرب لابن منظور ، مادة (عيا).
(٢) البيت من البحر الطويل ، وهو لابن مقبل في ديوانه ص ١٣٦ ، ولسان العرب لابن منظور ، وتهذيب اللغة للأزهري ، وأساس البلاغة للزمخشري ، وتاج العروس للزبيدي ، مادة (سمح).