وفي «آية» ثلاثة أقوال للنحويين :
فمذهب الخليل ما ذكرناه ، من اعتلال العين وصحّة اللّام ، شذوذا.
ومذهب الفرّاء أنّ وزنها «فعلة» وأنّ الأصل «أيّة» ، فاستقلوا اجتماع ياءين ، فأبدلوا من الساكنة ألفا تخفيفا. قال : وإذا كانوا يفعلون ذلك بالياء الساكنة وحدها ، في نحو «عيب وعاب» و «ذيم ودام» ، فالأحرى أن يفعلوا ذلك إذا انضاف إليها ياء أخرى. وهذا الذي ذهب إليه فاسد ، لأنّ فيه إعلال العين ، مع أنّ العين معتلّة كما في مذهب الخليل ، مع أنّ إبدال الياء الساكنة ألفا ليس بمستمرّ ، وأما «العاب والعيب» و «الذام والذّيم» فهما مما جاء على «فعل» تارة ، وعلى «فعل» أخرى.
ومذهب الكسائيّ أنّ وزنها «فاعلة» ، والأصل «آيية» ، فحذفت استثقالا لاجتماع الياءين ، إذ حذفوها وحدها «بالة» وقد تقدّم. وهذا الذي ذهب إليه فاسد ، لأنّ فيه أيضا ما في مذهب الخليل من إعلال العين ، لأن الحذف إعلال ، مع أنّ حذف الياء التي هي عين ليس بمطرّد ، مع أنه ادّعى أصلا لم يلفظ به ، ولا مانع يمنع لو كان ذلك.
فتبيّن أنّ الأولى ما ذهب إليه الخليل. وهذه المذاهب إنما تجري في «آية» ، لأنها من ذوات الياء ، بدليل قوله :
قف ، بالدّيار ، وقوف زائر |
|
وتأيّ ، إنّك غير صاغر (١) |
فمعنى «تأيّ» : انظر آياتها. فلو كانت عينها واوا لقال «وتأوّ» كما تقول «تلوّ» و «تسوّ».
وكذلك «غاية» في أحد القولين ، لأنّ أبا زيد حكى «غيّيت الغاية وأغييتها». فهذه دلالة قاطعة على أنها من الياء. فعلى هذا تجري فيها المذاهب الثلاثة التي في «آية».
وشذّ من ذلك في الفعل «استحى» ، وكان القياس «استحيا» ، لكن شذّوا فيه ، فأجروه مجرى «استبان» ، فنقلوا حركة الياء التي هي عين إلى الساكن قبلها ، وقلبوا الياء ألفا ، فصار «استحى».
فأما المازنيّ فيزعم أن الألف حذفت تخفيفا ، كما حذفت من «علبط» و «هدبد».
__________________
(١) البيت من مجزوء الكامل ، وهو للكميت في ديوانه ص ٢٢٣ ، وإصلاح المنطق لابن السكيت ص ٣٠٤ ، والمنصف لابن جني ٢ / ١٤٢ ، ولسان العرب لابن منظور ، مادة (أيا).