ولا يمكننا استيعاب ما جاء من ذلك هنا ، لسعته. حتى إنّ يعقوب قد أفرد كتابا في «القلب والإبدال».
فإن قيل : إذا كان ، من السّعة والكثرة ، بحيث يتعذّر ضبطه فينبغي أن يكون مقيسا؟.
فالجواب : أنه ، مع كثرته ، من أبواب مختلفة ، لم يجىء منه في باب ما شيء يصلح أن يقاس عليه ، بل لفظ أو لفظان أو نحو ذلك.
فإن قال قائل : إذا جاءت الكلمة في موضع على نظم ما ، ثم جاءت في موضع آخر على نظم آخر ، فبم يعلم أنّ أحد النظمين أصل والآخر مقلوب منه. بل لقائل أن يقول : لعلهما أصلان وليس أحد النظمين مقلوبا من صاحبه؟.
فالجواب : أنّ الذي يعلم به ذلك أربعة أشياء :
أحدها : أن يكون أحد النظمين أكثر استعمالا من الآخر ، فيكون الأكثر استعمالا هو الأصل ، والآخر مقلوبا منه ، نحو «لعمري» و «رعملي». فإنّ «لعمري» أكثر استعمالا. فلذلك ادّعينا أنه الأصل.
والثاني : أن يكون أكثر التصريف على النظم الواحد ، ويكون النظم الآخر أقلّ تصرّفا ، فيعلم أنّ الأصل هو الأكثر تصرّفا ، والآخر مقلوب منه. وذلك نحو «شوائع» فإنه أكثر تصرّفا من «شواعي» ، لأنه يقال «شاع يشيع فهو شائع» ، ولا يقال «شعى يشعى فهو شاع». فلذلك كان «شوائع» الأصل.
والثالث : أن يكون أحد النظمين لا يوجد إلّا مع حروف زائد تكون في الكلمة ، والآخر يوجد للكلمة مجرّدا من الزوائد. فإن سيبويه جعل الأصل النظم الذي يكون للكلمة عند تجرّدها من الزوائد ، وجعل الآخر مغيّرا منه ، لأنّ دخول الكلمة الزوائد تغيير لها ، كما أنّ القلب تغيير ، والتغيير يأنس بالتغيير. وذلك نحو «اطمأنّ وطأمن» فالأصل عند سيبويه أن تكون الهمزة قبل الميم ، و «اطمأنّ» مقلوبا منه لما ذكرنا. وخالف الجرميّ في ذلك ، فزعم أنّ الأصل «اطمأنّ» بتقديم الميم على الهمزة. وهو الصحيح عندي لأنّ أكثر تصريف الكلمة أتى عليه. فقالوا «اطمأنّ ويطمئنّ ومطمئنّ» كما قالوا «طأمن يطأمن فهو مطأمن» ، وقالوا «طمأنينة» ، ولم يقولوا «طوء منينة».
والرابع : أن يكون في أحد النظمين ما يشهد له أنه مقلوب من الآخر ، نحو «أيس» و «يئس». الأصل عندنا «يئس» ، و «أيس» مقلوب منه ، إذ لو لم يكن مقلوبا لوجب إعلاله ،