بناء ـ أشبه المعرب من الوجهين المتقدّمين فحمل عليه في الإدغام. وليس بين سكون الدال في «رددت» وأمثاله وبين المعرب شبه ، فلم يكن له ما يحمل عليه.
إلّا ناسا من بكر بن وائل فإنهم يدغمون في مثل هذا ، فيقولون «ردّت» و «ردّن». كأنهم قدّروا الإدغام قبل دخول النون والتاء. فلمّا دخلتا أبقوا اللفظ على ما كان عليه قبل دخولهما.
فإن كان الثاني من المثلين ساكنا فالإظهار. ولا يجوز الإدغام لأنّ ذلك يؤدّي إلى اجتماع الساكنين. وقد شذّ العرب في شيء من ذلك ، فحذفوا أحد المثلين تخفيفا ، لمّا تعذّر التخفيف بالإدغام. والذي يحفظ من ذلك : «أحست» و «ظلت» و «مست». وسبب ذلك أنّه لمّا كره اجتماع المثلين فيها حذف الأول منها تشبيها بالمعتلّ العين. وذلك أنك قد كنت تدغم قبل الإسناد للضمير فتقول «أحسّ» و «مسّ» و «ظلّ». والإدغام ضرب من الاعتلال ؛ ألا ترى أنك تغيّر العين من أجل الإدغام بالإسكان ، كما تغيّرها إذا كانت حرف علّة. فكما تحذف العين إذا كانت حرف علّة ، في نحو «قمت» و «خفت» و «بعت» ، كذلك حذفت في هذه الألفاظ تشبيها بذلك.
وممّا يبيّن ذلك أنّ العرب قد راعت هذا القدر من الشبه ، لأنهم يقولون «مست» بكسر الميم ، فينقلون حركة السين المحذوفة إلى ما قبلها كما يفعلون ذلك في «خفت» ؛ ألا ترى أنّ الأصل «خوفت» ، فنقلوا حركة الواو إلى الخاء ، وحذفوها لالتقاء الساكنين ، على حسب ما أحكم في بابه.
وأما «ظلت» و «مست» في لغة من فتح الميم فحذفوا ، ولم ينقلوا فيهما الحركة ، تشبيها لهما بـ «لست» ، لمّا كان لا يستعمل لهما مضاره إذا حذفا كما لا يستعمل لـ «ليس» مضارع ، ولأنّ المشبّه بالشيء لا يقوى قوّة ما يشبّه به.
وأما «علماء بنو فلان» فأصله «على الماء» فحذفت الألف لالتقاء الساكنين ، فاجتمع اللّامان ـ لام «على» مع لام التعريف فاستثقل ذلك ، مع أنّ ذلك قد كثر استعمالهم له في الكلام. وما يكثر استعماله فهو أدعى للتخفيف مما ليس كذلك ، فحذفت لام «على» تخفيفا لمّا تعذّر التخفيف بالإدغام.
فهذا وجه هذه الأسماء التي شذّت.
* * *