[الأحقاف : ٣١]. فإن سكن ما قبل الراء أدغمها في اللّام في موضع الرفع والخفض نحو : (حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ) [الإنسان : ١]. ولا يدغم إذا كانت الراء مفتوحة كقوله : (مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ) [يوسف : ٢١] ، و (الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ) [النمل : ٤٤] وأمثال ذلك وفصله بين الراء المفتوحة وغيرها إذا سكن ما قبلها دليل على أنّ ذلك ليس بإدغام ، وإنما هو روم لا إدغام ، والرّوم لا يتصوّر في المفتوح. وهذا مخالف لما ذكره سيبويه من أنّ الراء لا تدغم في مقاربها لما فيها من التكرار ، وهو القياس ، ولم يحفظ سيبويه الإدغام في ذلك. وروى أبو بكر بن مجاهد عن أحمد بن يحيى عن أصحابه عن الفرّاء أنه قال : كان أبو عمرو يروي عن العرب إدغام الراء في اللّام. وقد أجازه الكسائيّ أيضا ، وله وجية من القياس ، وهو أنّ الراء إذا أدغمت في اللّام صارت لاما ، ولفظ اللّام أسهل من الراء لعدم التكرار فيها ، وإذا لم تدغم الراء كان في ذلك ثقل ، لأنّ الراء فيها تكرار فكأنها راءان ، واللّام قريبة من الراء ، فتصير كأنك قد أتيت بثلاثة أحرف من جنس واحد.
ومن ذلك قراءة أبي عمرو : الشمس سراجا [نوح : ١٦] ، بإدغام السين في السين ، و (لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ) [النحل : ٦٢] ، بإدغام الضاد في الشين ، و (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [البقرة : ١٣٣] ، بإدغام النون في اللّام ، و (مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) [هود : ٦٦] ، و (فَهِيَ يَوْمَئِذٍ) [الحاقة : ١٦] ، بإدغام الياء في الياء. جميع ذلك ينبغي أن يحمل على الإخفاء ، لما في الإدغام من الجمع بين ساكنين ، وليس الأول حرف مدّ ولين. وأيضا فإنّ الضاد لا تدغم في الشين.
وأما (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) [مريم : ٤] ، بإدغام السين في الشين فإنّ الرواية عن أبي عمرو اختلفت في ذلك : فمنهم من روى أنه أدغم ، ومنهم من روى أنه منع. والذي عليه البصريّون أنّ إدغام السين في الشين لا يجوز. وأيضا فإنّ الإدغام يؤدّي إلى الجمع بين ساكنين ، وليس الأول حرف مدّ ولين.
ومن ذلك ما روي عنه من أنه قرأ (إِلهَهُ هَواهُ) [الفرقان : ٤٣] وأمثاله بإدغام الهاء في الهاء ، وبين الهائين فاصل وهو الواو التي هي صلة الضمير ، فحذف الصّلة وأدغم. وإدغام هذا مخالف للقياس ، لأنّ هذه الواو إنما تحذف في الوقف. وأما في الوصل فتثبت. وأنت إذا أدغمت في حال وصل فينبغي ألّا تحذفها. وإذا لم تحذفها لم يمكن الإدغام. لكن وجه ذلك أمران :
أحدهما تشبيه الإدغام بالوقف ، في أنّ الابدغام يوجب التسكين للأول كما أنّ الوقف يوجب له ذلك. فحذف الواو في الإدغام على حدّ حذفها في الوقف ، فساغ الإدغام.