وقد تقدّم أنّ سيبويه لا يجيز إسكان هذه التاء في «تتكلّمون» ونحوه ، لأنها إذا سكّنت احتيج لها ألف وصل ، وألف الوصل لا تلحق الفعل المضارع ، فإذا اتّصلت بما قبلها جاز ، لأنه لا يحتاج إلى همزة وصل. إلّا أنّ مثل (فَإِنْ تَوَلَّوْا) و (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ) لا يجوز عند البصريين ، على حال ، لما في ذلك من الجمع بين الساكنين وليس الساكن الأول حرف مدّ ولين.
ومن ذلك قراءة أبي عمرو والحرث ذلك [الأنعام : ١٤] بإدغام الثاء في الذال وما قبلها ساكن صحيح. ولكن يتخرّج على مثل ما تقدّم من الإخفاء.
ومن ذلك ما روى اليزيديّ عن أبي عمرو من إدغام الجيم في التاء في مثل (ذِي الْمَعارِجِ تَعْرُجُ) [المعارج : ٣ ـ ٤] ، وسيبويه لم يذكر إدغامها إلّا في الشين خاصّة. فينبغي أن يحمل ذلك على إخفاء الحركة أيضا.
ومن ذلك إدغام أبي عمرو الحاء في العين من قوله تعالى : (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ) [آل عمران : ١٨٥] في إحدى الروايتين. وذلك أنّ اليزيديّ روى عنه أنه لم يكن يدغم الحاء ا في العين إلّا في قوله تعالى : (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ ،) وروى عنه أنه قال : من العرب من يدغم الحاء في العين كقوله تعالى : (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ.) قال : وكان أبو عمرو لا يرى ذلك. والصحيح أنّ إدغام الحاء في العين لم يثبت. وإن جاء من ذلك ما يوهم أنه إدغام فإنما يحمل على الإخفاء.
ومن ذلك قراءة أبي عمرو : ولا تنقضوا الأيمن بعد توكيدها [النحل : ٩١] بإدغام الدال في التاء. فينبغي أن يحمل ذلك أيضا على الإخفاء.
وعلى ذلك أيضا ينبغي أن تحمل قراءته (مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ) [فصلت : ٥٠] و (مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ) [الروم : ٥٤] و (الْمَهْدِ صَبِيًّا) [مريم : ٢٩] ، على أنه أخفى حركة الدال في جميع ذلك ، ولم يدغم.
ومثل ذلك أيضا قراءته (شَهْرُ رَمَضانَ) [البقرة : ١٥٨] و (وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) [الأعراف : ٧٧] و (ذِكْرُ رَحْمَتِ) [مريم : ٢] و (الْبَحْرَ رَهْواً) [الدخان : ٢٤] ، أخفى حركة الراء الأولى في جميع ذلك ، ولم يدغم.
ومن ذلك ما روي عن يعقوب الحضرميّ من إدغام الراء في اللّام. وكذلك أيضا روى أبو بكر بن مجاهد عن أبي عمرو أنه كان يدغم الراء في اللّام ، متحرّكة كانت الراء أو ساكنة ، نحو (فَاغْفِرْ لَنا) [آل عمران : ١٤٧] ، و (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ) [التوبة : ٨٠] و (يَغْفِرْ لَكُمْ)