والمراد : آدم عليه السّلام ، وتقول : ثلاث أنفس من الرجال ، وثلاثة أشخص من النساء ، فهذا أولى من العكس ، كما يجيئ في باب العدد ؛
وإن تقدم على المحمول على «من» و «ما» وشبههما من المحتملات ما يعضد المعنى ، اختير مراعاة المعنى في ذلك المحمول ، كقولك : منهنّ من أحبّها ، فهو أولى من قولك : أحبّه ، لتقدم لفظة «منهنّ» ؛ فلهذا لم يختلف القراء في تذكير : (ومَن يقنت منكن)(١) ، و : (مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ) ، بخلاف قوله تعالى : (وَتَعْمَلْ صالِحاً) لأنه جاء بعد قوله منكن ، وهو عاضد للمعنى ، فلذا قال : «نؤتها أجرها» ؛
وإن حصل بمراعاة اللفظ لبس وجب مراعاة المعنى ، فلا تقول : لقيت من أحبّه ، وأنت تريد من النسوان ، الا أن يكون هناك قرينة ،
ويجب ، أيضا ، مراعاة المعنى فيما وجب مطابقته للمحمول على المعنى ، نحو : من هي محسنة : أمّك (٢) ، ولا يجوز : محسن ، لأنه خبر لهي المحمولة على معنى «من» الذي بمعنى التي ، والخبر المشتق يجب مطابقته للمبتدأ تذكيرا وتأنيثا وافرادا وتثنية وجمعا ؛
وأجاز ابن السرّاج : (٣) من هي محسن ... نظرا إلى أن «هي» مراد به «من» الذي يجوز اعتبار لفظه ومعناه ، فإن حذف «هي» التي هي صدر الصلة ، كما في قولهم : ما أنا بالذي قائل لك شيئا ، وقيل : من محسن أمّك ، سهل التذكير ، لأن المقدر لم يعيّن كونه بلفظ المذكر أو المؤنث ، والأصل : الحمل على اللفظ ؛ كما مرّ ، فيقدّر مذكرا ؛
ولكون مراعاة اللفظ أكثر وأولى من مراعاة المعنى ، كان ، إذا اجتمع المراعاتان ، تقديم مراعاة اللفظ أكثر من العكس ، قال تعالى : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ)(٤) حملا على اللفظ ، ثم قال : «خالدين» حملا على
__________________
(١) الأجزاء المذكورة هنا من الآيتين ٣٠ ، ٣١ في سورة الأحزاب ،
(٢) تقديره : التي هي محسنة أمك ، فلفظ أمك ، خبر عن من ،
(٣) تقدم ذكر ابن السراج في هذا الجزء وفي الجزأين السابقين ،
(٤) المذكور في كلام الشارح ، من الآية ١١ سورة الطلاق وذكره مفرقا ؛