شرطان كانا في الحكاية بمن ، وهما العقل والوقف ، أمّا العقل فلأن أصل «أيّ» ، أن تستعمل في العقلاء وغيرهم ، بخلاف «من» ، وأمّا الوقف فلما مرّ في «من» ؛ وإنما اشترط في حكايتها كون المحكى مذكورا منكورا ، لما مرّ في «من» أيضا ، ولك في «أيّ» وجه آخر وصلا ، وهو الاقتصار على إعراب «أيّ» مفردة فتقول : أيّ ، وأيّا ، وأيّ ، في المفرد والمثنى والمجموع ، مذكرا كان أو مؤنثا ؛
وفي الحركات اللاحقة لأيّ ، في حال الحكاية وجهان : أحدهما : أنها إعرابها ، فتكون مبتدأة محذوفة الخبر ، ومفعولة محذوفة الفعل ، ومجرورة مضمرة الجار ، وهذا ضعيف ، لأن إضمار الجارّ قليل نادر ؛ وأيضا ، تثنية «أيّ» وجمعها لغير الحكاية ضعيفان ، كما مرّ ؛
والأولى (١) أن يقال : كما في «من» ان هذه العلامات اتباعات للفظ المتكلم على وجه الحكاية ، ومحلها رفع على الابتداء ، والتقدير : من هو؟ ، وأيّ هو ، أي : أيّ رجل هو؟ ؛
وأجاز يونس الحكاية بمن وصلا ، قياسا على «أيّ» فيقول : من يا فتى ، ومنا يا فتى ، ومن يا فتى ، وعليه حمل قول الشاعر :
٤٣٩ ـ أتوا ناري فقلت منون أنتم |
|
فقالوا الجنّ قلت عموا ظلاما (٢) |
وليس بشيء ، لأنه لم يتقدم جمع منكر حتى يحكى ؛
وحكى يونس أنه سمع : ضرب من منا؟ استفهام عن الضارب والمضروب قال
__________________
(١) هذا هو الوجه الثاني من توجيه الحركات اللاحقة لأيّ ، وإن لم يصرح بذلك ،
(٢) أحد أبيات أربعة أوردها أبو زيد الأنصاري في النوادر منسوبة لشاعر اسمه : شمير بن الحارث الضبيّ أولها :
ونار قد حضأت لها بليل |
|
بدار لا أريد بها مقاما |
وشمير بصيغة التصغير ، وبالشين المعجمة ، أو بالسين المهلة ، وورد مثل هذا البيت في قصيدة حائية طويلة : .. قلت عموا صباحا ، منسوبة لجذع بن سنان الغساني ، فهما قصيدتان ، ولا وجه لانكار الرواية الميمية أو الحائية ؛