فإن قيل : لم جاز في السّعة في نحو : غلام من تضرب أضرب ، ولم يجز في نحو : أتذكر إذ من يأتنا نكرمه ، و «إذ» مضاف إلى ما بعده ، كما أن «غلام» مضاف كذلك ؛
قلت : لأن «غلام» اتحد بكلمة الشرط بسبب إضافتها إليه ، فصارا ككلمة واحدة فيها معنى الشرط ، إذ سرى معنى الشرط من المضاف إليه إلى المضاف ، فلذا يلزم تصدر المضاف ؛ وأمّا «إذ» ، فإنه مضاف إلى الجملة ، لا إلى «من» ، وهو في الحقيقة مضاف إلى مضمون تلك الجملة كما مرّ في الظروف المبنية (١) ، وذلك المضمون ، ههنا ، مصدر «نكرمه» واقعا على معنى «من» ، أي : أتذكر وقت إكرامنا من يأتينا ، فلم يصر مع «من» كالكلمة الواحدة ، ولم يكتس منه معنى الشرط ، إذ ليس مضافا إلى «من» كما كان «غلام» مضافا إليه ، فلذا لم يلزم تصدّر «إذ» ، كما لزم تصدر «غلام» ، بل هو معمول لتذكر ، المقدم عليه ، فلا يجوز جعل «من» شرطية ، حتى لا يسقط عن التصدر بتقدم «إذ» عليه ؛
فإن قلت : ف «من» مع دخول «إذ» عليه : في صدر الكلام ، ويكفي في كلمات الشرط والاستفهام كونها في صدر كلام ما ، كما في نحو : زيد من يضربه أضربه ، ونحو : جاءتني التي من يضربها تضربه ،
قلت : قد مرّ في باب المبتدأ ، أن كلمة الشرط والاستفهام لا يتقدم عليها ما يصير من تمام جملتها ، إذا أثرّ في تلك الجملة وزاد في معناها شيئا ؛ وأزيده ههنا شرحا فأقول :
لا يجوز أن يتقدم على كلمات الشرط والاستفهام ما يجمع أمرين : أحدهما : أن يتصل بتلك الكلمات بلا فصل ، والثاني : أن يحدث في الجملة التي هو من تمامها معنى من المعاني ، وذلك مثل : إنّ ، وكأنّ ، وظن ، وأخواتها ، وما ، النافية ؛ لا تقول : ما من يضرب أضرب ، وما إن تقعد أقعد ، وأمّا «لا» فليست كما ، لأنها تلغى في اللفظ ، نحو كنت بلا مال ، ومررت برجل لا كريم ولا شجاع ، فلذا تقول : لا من يعطك تعطه ، ولا من يكرمك تكرمه ، وكذا تقول : لا إن أتيناك أعطيتنا ، ولا إن قعدنا سألت
__________________
(١) في الجزء الثالث من هذا الشرح ؛